x

حلمي النمنم الملك فاروق حلمي النمنم الثلاثاء 28-07-2015 21:19


نحتفل سنويًا بذكرى 23 يوليو 1952، وتحول الأمر إلى احتفال بالزعيم جمال عبدالناصر، ولا غرابة إذ إن عبدالناصر هو الذى حول 23 يوليو من انقلاب إلى ثورة، وبالتأكيد فإنه يستحق الاحتفاء والاحتفال، يكفيه أنه أمم قناة السويس وأنشأ السد العالى، وفى الحديث عن 23 يوليو هناك حاضر، غائب، لا أحد يذكره ولا حتى يتذكره، رغم أنه يستحق منا التذكر، وهو جلالة الملك فاروق.

جزء كبير من نجاح 23 يوليو يكمن فى الملك فاروق، كان الرجل فى سنواته الأخيرة قد زهد فى الحكم أو يئس من مهمته، لأسباب عديدة بعضها شخصى وأسرى وإنسانى، وبعضها يتعلق بالأوضاع العامة فى مصر وفى العالم، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية والتحولات الدولية التى أدت إليها، لذا لم يكابر كثيرًا ولم يجادل فى التنازل عن العرش، حين طلب منه ذلك، والذى حدث أنه فى الصباح الباكر من يوم 26 يوليو 1952 سمع وهو فى قصر رأس التين بالإسكندرية طلقات رصاص تطلق عند بوابات القصر، وعرف أن مناوشات جرت بين الحرس الملكى وعدد من الضباط الأحرار، وسقط أحد جنود الحرس قتيلاً، فصرخ مطالبًا حرسه بالتوقف نهائيًا عن إطلاق الرصاص وقال «لن أكرر ثانية تجربة توفيق وعرابى»، كان فى ذهنه لحظتها ما حدث بين عمه الخديو توفيق وأحمد عرابى وانتهى باحتلال الإنجليز مصر، وقبل أن يتنازل عن العرش وأن يخرج من مصر، كان مطلبه أن تؤدى له التحية العسكرية وهو يغادر وأن تطلق المدفعية له 21 طلقة، وأن يغادر مصر بزيه العسكرى، وخرج، بالفعل، مرتديًا زى سلاح البحرية، وهذه معان لم تجد من يتأملها ويقدرها فى الرجل وله، وفى كلماته الأخيرة مع اللواء محمد نجيب أوصاه بمصر وبالجيش المصرى.

حين وافق الملك فاروق صباح 26 يوليو على التنازل عن العرش، لم يكن مجردًا من عناصر القوة وأوراق الضغط، كان سلاح البحرية بالكامل معه ويسانده وكانت قطاعات لا يستهان بها من الجيش تؤازره، وتحمل الولاء له، باعتباره القائد الأعلى للجيش، ومع ذلك لم يناور ولم يساوم، كانت سلامة البلاد وقوة جيشها أهم عنده من كرسى العرش والمبيت فى القصر، لم يشأ أن يكرر تجربة الخديو توفيق، وبالتأكيد كان يعرف قصة الألفى بك والمماليك الألفية مع جده محمد على، حين راح المماليك الألفية فى سنة 1807 يستعدون الإنجليز ضد مصر لإسقاط محمد على، وبالفعل جاءت حملة فريزر، فتصدى لها المصريون، وكان أن أسقطوا المماليك نهائيًا من اعتبارهم.

وتوقع اللواء محمد نجيب ومن بعده جمال عبدالناصر أن يناوئهم الملك من منفاه، أو أن يحاول السعى للعودة والقفز على السلطة، أو أن يتآمر ويتلاعب مع القوى الدولية والاستعمارية المناوئة لمصر، وكانت كثيرة وقوية، لكنه لم يفعل ولم يثبت عليه أى شىء من ذلك، كان يكره الإنجليز وهو فى الحكم، وظل يكرههم بسبب احتلالهم بلاده، وحين تآمروا على مصر وعلى عبدالناصر، سنة 1956، سعى إليهم الانتهازيون والمشتاقون إلى السلطة والكارهون للأوضاع الجديدة، لكن فاروق لم يفعلها، تصرف طوال الوقت كرجل وطنى، وملك خلع عن العرش، وظل يحترم بلاده ويحبها، فتصرف الملك فاروق بوطنية عالية ونبل إنسانى حقيقى.

فاروق الأول ولد ملكًا وابن ملك، والده الملك أحمد فؤاد وجده الخديو إسماعيل وجده الأعلى محمد على باشا، فى شهادة ميلاده أن محل الميلاد: قصر عابدين، والإقامة أيضًا: قصر عابدين، ومع ذلك حين اقتضت مصلحة البلاد أن يترك هذا كله، فعلها راضيًا وقانعًا، ثم جاء على مصر زمن دخل فيه أحدهم قصر الحكم وجلس على كرسى العرش بالتزوير، وقبل أن يتم العام ضج منه المصريون وطالبوه بالرحيل، فقال: هذا استحقاق لى، دونه رقبتى، وأشار بيده إلى رقبته بعلامة الذبح، وتلك هى الإشارة الوحيدة التى يجيدها، وظل يهذى: الشرعية.. الشرعية، وراح يهددنا بأمريكا وأخذ أتباعه يهتفون وينادون فى مظاهرة عامة.. واحد، اتنين، الأسطول السادس فين..!!

رحم الله جلالة الملك فاروق، نعم عجز عن إدارة البلاد، ولم يتم إعداده جيدًا لدوره كملك بسبب صغر سنه، لكنه لم يخن بلده أبدًا، وهذا العام يمر 63 سنة على تخليه عن العرش ونصف قرن على وفاته، ويستحق الملك فاروق منا أن نتذكره بالتقدير والاحترام والإكبار، ونحن نحتفى بذكرى ثورة 23 يوليو 1952.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية