للمرة الأولى تخرج كواليس الصندوق الأسود للحزب الحاكم فى تركيا منذ 2002 إلى العلن، وللمرة الأولى تنشر المشاجرات العنيفة والخلافات الشخصية الكبيرة بين مؤسسى الحزب الحاكم ذى الجذور الإسلامية «التنمية والعدالة».. هذا ما كشفه كتاب «12 عاما مع عبدالله جول»، الكتاب المثير للجدل من تأليف أحمد سافار، مستشار الرئيس التركى السابق، الذى يرصد ما سماه «انتفاضة القصر الرئاسى» ويعرض لمعاناة «جول» خلال 12 عاماً من الخدمة والمرارة التى حاول أن يلعقها عدة مرات، حرصاً على علاقته مع صديق عمره رجب طيب أردوغان.
الرئيس السابق كان يريد العودة إلى السياسة فى الخطوط الأمامية بعد انتهاء ولايته الرئاسية، ولكنه لم يفعل ذلك لسبب واحد، وهو أردوغان، الذى عامل رفيق دربه بتعال، الأمر الذى دفع خير النساء، زوجة جول، إلى التصريح للصحفيين بأنها وزوجها متابعان ومشاهدان لكل نكران الجميل وعدم الوفاء من حزب «العدالة والتنمية» وعلى رأسه أردوغان.
الكتاب الذى صدر قبل أكثر من شهر، وجاء متعاقباً مع نهاية الانتخابات البرلمانية التركية، والتى خسر فيها «العدالة والتنمية» الأغلبية المطلقة وسجل 41% من الأصوات، متراجعا 7 نقاط، يكشف عن حجم الهوة والخلافات التى حدثت بين أبرز مؤسسى «العدالة والتنمية»، خاصة مع التطورات الأخيرة فى تركيا منذ أحداث غزى بارك، مروراً بملفات الفساد وانتهاء بالصراع بين الحكومة وجماعة فتح الله كولن.
وتعرض «المصرى اليوم» للكتاب الذى صدر باللغة التركية فى السطور التالية. لعل جذور الخلافات لم تكن حديثة بين الزعيمين، بحسب الكتاب، فسافار تطرق إلى حادثة المصادقة على مذكرة حكومية تمنح الجيش الأمريكى استخدام الأراضى التركية لشن هجوم على العراق عام ٢٠٠٣، حيث كان جول مصرا على رفض هذه المذكرة من قبل البرلمان، لما تحمل من مخاطر داخلية وخارجية، وتعيد فرض قانون الطوارئ، فيما نظر أردوغان إلى هذا الموضوع على أنه يجب عدم إغضاب أمريكا، على اعتبار أن السماح لها يعنى أن تكون تركيا من الفاعلين فى المنطقة بحسب التطورات، وبالنهاية فإن البرلمان لم يسمح لمرور المذكرة ورفضها، ليصرح أردوغان بأن عدم مرورها يعتبر خطأ وفى تلك الأثناء كان جول رئيسا للحكومة.
من الأمور الأخرى التى تدل على استعلاء أردوغان على رفاقه، النصيحة التى وجهها ذات مرة جول لمستشاره سافار أثناء لقاء لتقديم تقرير أوروبى لأردوغان، قائلا له «انتبه على أسلوبك أثناء لقائك معه»، فى إشارة إلى تعالى أردوغان، مبينا أن الأخير كان يعارض الحركات السلمية ومبادرات حسن النية من قبل جول لحل الخلافات مع دول الجوار. كما تطرق الكتاب لتصاعد الخلافات بين الجانبين أكثر مع مرور السنوات، حيث استهدف جول تارة بقربه من جماعة كولن التى ناصبت العداء للحكومة، وأخرى بالعمل ضدها، ففى الوقت الذى شدد فيه الكاتب على أنه لا علاقة بين جول والجماعة، فإن بعض الحوادث أظهرت تعامل الحكومة مع الجماعة الموصوفة بالكيان الموازى، وذلك ما حصل فى ٢٠١١، عندما اعتقلت قوى الأمن المحسوبة على الكيان الموازى عددا من الكتاب الصحفيين بتهم الإرهاب، ما دعا جول لإدانة ذلك والعمل على إطلاق سراحهم، وهو ما دفعه للاصطدام بالسلك القضائى من جهة، ومع أردوغان من جهة أخرى، حيث إن الحكومة ظلت على موقفها من الاتهامات رغم الإفراج عن الصحفيين بعد نحو عام، وكذلك موقف المدعى العام من جول نفسه، الذى أصدر بيانا بهذا الخصوص.
حادثة أخرى يرويها سافار عن طريقة تعامل أردوغان مع الصحفيين وتعاليه عليهم، ومنها حادثة فى عام ٢٠١٣، حيث إن صحيفة ملييت نشرت تفاصيل مفاوضات أجراها حزب كردى مع عبدالله أوجلان المحكوم عليه بالمؤبد لقضايا إرهاب، فصارت هدفا للحكومة، ليقوم أحد كتابها وهو حسن جمال بكتابة مقال قال فيه إن الصحافة غير السياسة، وليس لأحد التدخل بعمل غيره، ليرد عليه أردوغان بما معناه «فلتذهب صحافتكم للجحيم»، الأمر الذى جعل الصحيفة تطرد جمال، ما تسبب فى ردود فعل كبيرة، وصلت لدرجة أن جول وصف ما حدث خلال دردشة مع الصحفيين بأنه أمر معيب بحق الصحفى جمال، مضيفا أنه كان عليه أن يصمد. و تطرق الكاتب إلى موضوع آخر شغل الرأى العام التركى، وهو ما فسره المقربون من العدالة والتنمية بالليونة من قبل جول والقرب من جماعة فتح الله كولن، واعتبر من الحوادث التى جعلت الطرق تتباعد أكثر بينه وبين أردوغان، حول حادثة استدعاء رئيس المخابرات العامة هاكان فيدان إلى الاستجواب فى النيابة العامة، إذ تناقلت الأوساط حينها عدم تشدد جول بالأمر ونصيحته لفيدان بالذهاب والإدلاء بالإفادة، وهذا ما يعنى اعتقاله من قبل أتباع الكيان الموازى، وتقول الرواية التى تناقلتها هذه الأوساط بأن ذلك يتزامن مع دخول أردوغان لإجراء عمل جراحى، وهو ما لم يذكر فى رواية سافار، الذى اكتفى بنفى هذه المعلومات، وأن جول أكد بشكل قاطع لفيدان بأن لا يذهب للمثول أمام النيابة، وبعد تداول الأمر فى وسائل الإعلام المقربة من الحزب الحاكم، اضطر جول الدفاع عن نفسه ونفى الأمر جملة وتفصيلا.
ويمضى الكاتب، ساردا تصاعد الخلافات لتبلغ مرحلة وصفها بأنها تسببت بالجَرح الأول لجول، وهو ما يتعلق بالتعديل الدستورى المتعلق بانتخابات رئيس الجمهورية بشكل مباشر من قبل الشعب، وتقليل مدة حكم الرئيس من ٧ إلى ٥ سنوات ما فتح استفسارات عن مدة الحكم التى تنتظر جول، وهو ما لم يحصل على جواب واضح حوله من قبل الحزب، كما أن التعديل الذى أقر ينص على أن الرئيس الذى انتخب فى ٢٠٠٧ (وهو جول)، لا يمكنه أن يترشح لفترة ثانية، ما أثار استغرابه فى مشهد غير مسبوق فى البلاد فى تعديلات مشابهة، وأظهر النوايا المبيتة من قبل أردوغان، وما لم يفعله حزب العدالة والتنمية، أقدم عليه حزب الشعب الجمهورى من اعتراض للمحكمة الدستورية العليا على موضوع عدم تمكن الرئيس من الترشح لفترة ثانية، الأمر الذى قبلته المحكمة وأقرته، فبات بالتالى الطريق أمام جول مفتوحا ليكون مرشحا للمرة الثانية، ومع ذلك فإنه لا أردوغان ولا الحزب تناولا الأمر وطرحاه، وأبدى جول تضايقه من موضوع عدم معرفة أعوام حكمه وترشحه لفترة ثانية، ورغم اعتراضه لوزير العدل سعد الله أرغون، بأن وضع عائق دستورى للترشح لفترة ثانية سيتسبب بفهم خاطئ من قبل الرأى العام، إلا أن الأخير وبعد لقائه مع أردوغان عاد بنتيجة سلبية، بما معناه عدم موافقة أردوغان على ذلك، ما تسبب بحزن جول بشكل كبير جدا، ورغم ذلك فإن المشروع وصله ووافق عليه رغم أنه كان قادرا على نقضه ورفضه أو حتى الاعتراض عليه فى المحكمة الدستورية العليا، الأمر الذى تنزّل عنه. وبعد هذه الحادثة، دخل جول فى مرحلة من الحزن، وهو ما دعا مستشاره مؤلف الكتاب سافار إلى اقتراح إعطاء تصريح باسمه لماذا لا يترشح جول لفترة ثانية، الأمر الذى بالفعل حصل وأدلى سافار نفسه بتصريح لجريدة وطن مما كان له وقع كبير لدى مختلف الأوساط فى تركيا، شعبيا ومعارضة وحتى ضمن أنصار حزب العدالة والتنمية، وفيها بين الكاتب أن جول يحق له الترشح، وتوالت ردود الأفعال من قبل مسؤولى العدالة والتنمية المعارضة لذلك، ورغم أن الذى صرح هو سافار فإنه من الواضح أنه كان ينطق بلسان جول، ما اعتبره أعضاء بالحزب خلطا للأوراق، ووصل الأمر إلى وصفه بموظف يقوم بعمل ليس له، واستدعى الأمر رد فعل عنيفا جدا من قبل أردوغان، الذى قال فى لقاء تليفزيونى من أين لمستشار وعامل لدى جول أن يكون له الحق فى تصريح كهذا؟، لأن ذلك من شأنه التأثير على مسيرة أردوغان فى الترشح لرئاسة الجمهورية، وأفاد أردوغان فى نفس اللقاء التليفزيونى بأن ما صرح به يدخل فى إطار توسيع الشرخ بينه وبين جول، وبعد فترة وأثناء لقاء ثنائى بين جول وأردوغان، طلب الأخير من جول أن يستغنى عن سافار لتطاوله فى التصريحات، الأمر الذى لم يلق له جول بالا فى وقت لاحق، وتبين من الأمر حدة الخلافات التى عصفت بالجانبين، ومدى الشرخ، ومحاولة أردوغان الاستئثار بالحكم على حساب صديق دربه ومؤسس حزب العدالة والتنمية جول. وتتواصل الأحداث بعد ذلك فى ٢٠١٣، حيث تصادف إحياء ذكرى الجمهورية، واعتزام بعض الأطراف تنظيم مظاهرات فى ذلك اليوم، وحرصا منه على احتفالات هادئة طلب جول من وإلى أنقرة إزالة الحواجز والسماح للمتظاهرين بالتظاهر ووضع أكاليل من الورود على ضريح أتاتورك مؤسس الجمهورية، وفى صالة الاحتفال مساء كان على أردوغان فى طرف الصالة وجول فى الطرف الآخر، وحولهما صحفيون يسألون نفس السؤال عن الجهة التى طلبت إزالة الحواجز، فأكد أردوغان أنه لم يعط تعليمات بهذا، فيما أجاب على الطرف الآخر جول بأنه هو من أصدر هذه التعليمات، وفى اليوم التالى، وإبان سفر أردوغان فى المطار، أدلى بتصريحات شديدة استهدفت جول بشكل مباشر، وفيها أكد أن «تركيا لا يجب أن يكون فيها رأسان»، فى إشارة إلى سلطتين حاكمتين تصدران قرارات متناقضة ولا تنسقان مع بعضهما البعض، وأنهم لم يعملوا لتصل البلاد إلى إدارة مزدوجة ولا يمكن لها أن تصل إلى أى مكان، وهو ما استدعى رد فعل من جول الذى قال «من أين جاء موضوع الرأسين»، فى إشارة إلى الإدارتين، وأدلى بتصريحات صحفية أمام عدسات الصحفيين بين فيه موقفه من الأمر، وأنه لا يمكن أن يعقب على كلام أردوغان، إلا أن الكاتب يشير بشكل واضح إلى نزعة أردوغان ونواياه.
ويصل الكاتب فى سرده للمراحل التى مر بها، إلى منتصف ٢٠١٣ الذى شهد تظاهرات ساحة تقسيم، والتى انطلقت للاحتجاج على نزع أشجار من الساحة الشهيرة، لإنشاء مشاريع بناء هناك، ورغم أن التظاهرات كانت بسيطة وعلى شكل اعتصامات، إلا أن أردوغان كان مصمما على التعامل معها بشدة، متجاوزا نصيحة جول بأنه يجب استيعاب الأمر قبل انتشار النيران، وشدد على أن الحكومة ماضية فى تنفيذ المشروع، فيما يبين الكاتب أن جول تابع الأحداث من الشاشات الأجنبية، ولم يكن لأحد من القنوات المحلية الجرأة لنقل تطورات الأحداث هناك، وبدأ التدخل الأول للتصدى للمتظاهرين وحرق خيامهم، الأمر الذى صعد الأحداث أكثر، وتمسك أردوغان برأيه بأن ما يحدث عبارة عن محاولة انقلابية مدعومة من قبل جهات خارجية لزعزعة تقدم حزب العدالة والتنمية، مصرا على الحل بالعنف، إلا أن محاولات جول لم تساهم بشىء رغم جميع تصريحاته ومناشدات الأطراف المعارضة بالتدخل، وعمت التظاهرات مناطق مختلفة، وجاء خبر سقوط أول قتيل، وقتلى آخرين وكانت محصلة تلك المواجهات ٨ قتلى وعنصرى أمن. وتتابعت الأحداث وكان أردوغان فى زيارة خارجية، وخلال ذلك طلب جول من الناطق باسم الحكومة التصريح والاعتذار من أحداث العنف التى طالت المسالمين، فيما المخربون ستطالهم يد العقاب، وهو ما حصل بالفعل، وعندما علم أردوغان بالأمر استشاط غضبا من ذلك، ويروى سافار أنه فى تلك الفترة جاء وفد من أصدقاء ابن الرئيس جول للحديث عن الموضوع وهم طلاب جامعة، وكيف أنهم بينوا أن ما يحصل هو عنف ضد متظاهرين سلميين، مبينا أن هذه الأحداث تسببت بالإساءة لسمعة تركيا بشكل كبير، خصوصا فى مجال الحريات وحقوق الإنسان، وأضحت الأحداث على أجندات مختلف وسائل الإعلام، وبات جول يواجه نفس السؤال فى كل مكان يزوره، وهو ماذا حصل فى تقسيم، ولماذا هذا العنف؟. وتتواصل الأحداث التى عصفت بالحكومة من فضائح فى السنوات الأخيرة، ومنها الفساد الذى طال ٤ من وزراء حكومة أردوغان عام ٢٠١٣ فى الحوادث المعروفة باسم ١٧ و٢٥ ديسمبر، إذ طالت عملية أمنية أبناء الوزراء ورجال أعمال مقربين من العدالة والتنمية، الأمر الذى اعتبرته الحكومة محاولة انقلابية من قبل الكيان الموازى، وعملت لاحقا على التستر على الوزراء ومنع تقديمهم للمحكمة الإدارية العليا، وفرضت قوانين جديدة شملت تنقلات قادة أمنيين محسوبين على جماعة كولن، فيما كان لجول، بحسب المستشار السابق سافار، رأى آخر، فهو صبيحة هذا اليوم وعلى وقع التطورات الحاصلة والاعتقالات طلب منه إبعاد الصحفيين، وهى المرة الأولى التى كان جول يطلب فيها الابتعاد عن وسائل الإعلام وهو منزعج جدا، حيث حرص فى سنوات حكمه فى مختلف المناصب على مكافحة الفساد، وكان بالنسبة له خطا أحمر لا يجب تجاوزه، ورغم سعى أردوغان لإجبار الوزراء المتورطين على الاستقالة بدل استدعائهم للاستجواب فى البرلمان وتشكيل حكومة جديدة، إلا أنه كان مصرا على الاحتفاظ بأحدهم وهو إغمن باغيش، وزير شؤون الاتحاد الأوروبى، ومع تدخل جول امتنع عن تسميته فى الحكومة الجديدة.
وفى لقاء صحفى لاحق لجول وجه له الصحفى سؤالا عن مدى العلاقة بين أحداث تقسيم وملفات الفساد وهما حدثان اعتبرتهما الحكومة محاولات انقلابية، فأجاب بأن لا علاقة بينهما، فالأولى كانت تظاهرات سلمية، والثانية ملفات يتم التحقيق بها. وبلغت ذروة التطورات والخلافات بين القصر الجمهورى والحكومة، بعد فتح ملفات الفساد، إذ بدأ حزب العدالة والتنمية سباقا مع الزمن لسن قوانين وتمريرها من البرلمان، تطال الحريات والحقوق وتعارض الدستور، بحسب سافار، ومنها قانون الإنترنت الذى شرعه البرلمان وتلقى انتقادات على نطاق واسع محلى ودولى، وتوجهت الأنظار إلى جول نفسه للاعتراض ونقض القرار، حيث تثبت مستشاروه القانونيون من عدد من المخالفات طالب بتصحيحها قبل الموافقة، وهو ما تم، إلا أن سعى الحكومة كان لمنع تسجيلات نشرت تطال وزراء وقيادات العدالة والتنمية تسببت بفضائح كبيرة، جعلت من جول يقرأ مضمونها دون الاستماع إليها، ورغم ذلك تعرض جول لانتقادات بسبب مصادقته على القانون وجعله يندم لاحقا على ذلك، فكان الانطباع السائد بأن مهمة جول الوحيدة هى الموافقة على القوانين والمصادقة عليها، ولم يمنع هذا القانون أيضا من وقف عمليات التسريبات. ويضيف سافار، بأن جول لم يكن يتوقع أن يمضى أردوغان قدما بشكل أكبر فى فرض قيود أكبر على حرية استخدام الإنترنت ليصل به الأمر لحجب مواقع التواصل الاجتماعى من مثل تويتر ويوتيوب، لمنع عمليات تسريب التسجيلات الصوتية التى تشكل حرجا للحكومة، ومع صدور قرار بغلق موقع تويتر احتد جول مشددا على أنه هو من سيخرق هذا الحجب، ليكتب تغريدات جاء فيها بأن غلق موقع مثل تويتر على مستوى العالم أمر غير صائب، لأنه لا يمكن الحجب بشكل كامل، وهو ليس بالحل، مبينا أن موضوع تناول الحريات الشخصية للأفراد من غير الممكن التسامح فيها، ليشدد الكاتب سافار بأن قانون المنع الذى صدر من أردوغان خرقه رئيس الجمهورية جول بشكل شخصى. وكل ما سبق يجعل من المستشار السابق سافار يصل إلى نتيجة مفادها بأن تركيا فقدت كثيرا من البريق الذى اكتسبته بالسنوات السابقة بفضل رصانة جول، مستشهدا بأن لتركيا كانت كلمة تسمع بين الدول فى عمليات التفاوض وإطلاق سراح معتقلين، ولكن وصلت الدرجة إلى أن تدخل جول لإطلاق سراح مراسل صحيفة «الجارديان» البريطانية معتقل فى ليبيا وهو ما تم، إلا أن سافار تلقى اتصالا من كبير مستشارى أردوغان ليقول بأن الأخير كان له دور عبر رجال أعمال فى إطلاق سراح الصحفى البريطانى، ما دعاه للإجابة بأنه لا فرق بينهما، ولكن ذلك كان دليل على مستوى العلاقة التى باتت تميز بين الرجلين.
وكشف الكاتب أن تركيا فقدت اعتبارها بشكل كبير، وذلك حيث ترشحت لعضوية مجلس الأمن بشكل مؤقت فى ٢٠٠٩-٢٠١٠ وفازت بأصوات ما يقرب من ١٥١ دولة من بين ١٩٢، فيما ترشحت للفترة ٢٠١٥-٢٠١٦ إلا أنها لم تحصل سوى على دعم ٦٠ دولة، وهو ما أكده سافار بأن صورة تركيا الخارجية تراجعت بشكل كبير، فأين كانوا، وأين صاروا، فدعا جول للتساؤل بصوت مسموع، هل ارتكب خطأ فى وصوله للقصر الجمهورى؟ وتمر الأيام يضيف سافار، واقتربت الانتخابات الرئاسية، ولايزال موضوع ترشح جول أو أردوغان غير محسوما بين الطرفين، والكل يترقب الأمر، ويتوجه الصحفيون بالسؤال عن الأمر فى كل فرصة تلوح، ليفجر أردوغان مفاجأة غير متوقعة بالقول إن البلاد بحاجة إلى «رئيس يعرق»، بمعنى كثير الحركة، وليس رئيس بروتوكول، وهو ما كان يعنى أن القصد والهدف الواضح هو جول المستهدف بهذه التصريحات، ليرد سافار عليها بأن جول من أكثر الرؤساء نشاطا وحركة، وتلقى دعما كبيرا، وقدم الدعم لكثيرين، وعرض عليه الترشح للانتخابات من قبل حزب الحركة القومية فرفض لأنه من العدالة والتنمية ولا يمكن أن يكون فى منافسة أردوغان، ويبين الكاتب مدى عفة جول الذى رفض نصائح بالعودة إلى الحزب مجددا، لأنه لا يمكن أن يكون هناك لاعبان على حبل واحد، كما أفاد. ومع اقتراب الموعد لم يتطرق الزعيمان للأمر فى لقاء عقد بينهما استمر ٤٠ دقيقة، إلا أنه فى الأول من يوليو ٢٠١٤ كشف العدالة والتنمية عن ترشيح أردوغان للرئاسة، وبعد كلمة مطولة له، فجر أردوغان قنبلة جديدة كانت الأكثر حزنا ووقعا على جول، حيث أكد أن بانتخابات ١٠ أغسطس التى ينتخب الشعب رئيسه بشكل مباشر، سينتهى عهد الوصاية فى الدولة، فماذا كان يقصد أردوغان بأن جول هو رئيس عهد الوصاية، وليس رئيسا جاء بعد انتخابات برلمانية وأغلبية للعدالة والتنمية سمحت له بالوصول إلى سدة الحكم، ومقابل أردوغان كان المرشح التوافقى الآخر هو أكمل الدين إحسان أوغلو، الأمين العام السابق لمنظمة المؤتمر الإسلامى، الذى قال لجول: لو كنت المرشح للانتخابات عن العدالة والتنمية لم أكن لأقبل بالأمر، ومع انتخاب أردوغان رئيسا، وبقاء أيام لانتهاء الحكم، عقد حزب العدالة والتنمية اجتماعا طارئا لاختيار رئيس جديد له، ولم يتطرق أحد لجول، ولم يعرض عليه أحد من رفاق دربه الترشح. ووجه جول دائما انتقادات بحسب الكاتب سافار للسياسة الخارجية للحكومة والتى تسببت بتراجع مكاسب تركيا، خاصة فيما يخص العلاقات مع سوريا ومصر، فأرسل رسالة إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى بعد أدائه اليمين الدستورية رئيسا، معربا عن تمنيه بعودة العلاقات الشعبية إلى سابق عهدها، ما اعتبرها سافار بأنها رسالة لتحسين العلاقات إلا أن أردوغان فى تصريح له معلقا على هذا الموضوع بأنه لا يبارك ولا يدعم هذا السعى من قبل جول.
وفى آخر موضوعين فى الكتاب تطرق إليهما سافار تحدث فيهما إلى أن الأمور لم تعد تطاق، مما دفع زوجة جول خير النساء إلى التصريح للإعلام بأن الأمور وصلت إلى حد لا يطاق، وإنها مع زوجها على اطلاع بكل ما حدث، وطفح الكيل ولن يصمتا بعد اليوم عما يجرى، ما دفع جول إلى لوم زوجته على تصريحاتها، فأجابته بأنها تعلم أنه لن يتكلم عن كل الإساءات التى تعرض لها من رفيق دربه أردوغان ومن رفاقه فى الحزب. ليختتم الكتاب بالحديث عن المؤتمر الأخير الذى انعقد للحزب قبيل تسليم أردوغان لمقاليد الحكم، وعندها قطع الطريق بشكل كامل أمام عودة جول إلى الحزب، بانتخاب داوود أوغلو، رئيسا للحزب، وفى كلمته امتدح الأخير أردوغان دون الإشارة إلى جول الذى كان له الفضل فى ظهوره، ومع كل ذلك فإن جول حرص على اختتام سجله بعملية تسليم مقاليد السلطة إلى أردوغان دون إثارة أى مشاكل.