في استطلاع رأى بين عدد من الأموات حديثا، اختاروا المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، لطرح قضيتهم وإرسال شكاواهم، بعد أن رأوا أن الرجل قد بلغ من العمر عتيا، وبذلك فهو الأقرب لهم نفسيا وزمنيا، وبالتالى سوف يُقدّر موقفهم ويتدارك الأمر، أوجزوها في سبع نقاط كالتالى:
■ السيد رئيس الوزراء، منذ أن توفانا الله وأهالينا الأحياء يبحثون لنا عن مقبرة يوارونا الثرى فيها، ولم يحالفهم التوفيق حتى الآن، وذلك لأن جهاز حماية الأراضى، من خلال الجمعيات الزراعية، ترك الأحياء ينشئون ويشيدون عمارات شاهقة على الأراضى الزراعية في القرى، بينما ركز جهوده على منع التوسع الطبيعى للمقابر، التي لا تزيد مساحة المقبرة فيها على مترين طولا في متر ونصف عرضا، وعلى الرغم من أن الوفاة هي الحقيقة الوحيدة المؤكدة في حياتنا الدنيا، إلا أن أياً من حكوماتنا المتعاقبة لم تستوعب هذه الحقيقة وتتعامل معها بالعقل والمنطق.
■ هل تصدق أننا لم نشغل أنفسنا بحكاية المقابر هذه على الإطلاق، حيث شغلتنا هموم الحياة تماما، بسبب قسوة الحياة، التي نتجت عن سياسات الحكومات المتعاقبة أيضا، فلم نقم ببناء مقابر تستوعبنا وقت أن يحين الأجل، كما أن أهالينا لم يعوا عدم وجود مقبرة إلا عقب الوفاة مباشرة، فسارعوا بشراء المترين المشار إليهما بامتداد المقابر الحالية، وراحوا يقيمون المقبرة، فتم منعهم، ولا ندرى ما هو مصيرنا الآن، كما أنهم أيضا لا يدرون ماذا يفعلون بالجثث.
■ كل مخاوفنا الآن من اقتراحات بدأنا نسمعها منهم، وهم لا يدركون أننا نسمع ما يقولون، بعض هذه الاقتراحات تدور حول إمكانية الاستفادة من الجثث بطهيها وأكلها، مادامت أسعار اللحوم أصبحت مرتفعة إلى هذا الحد، كما أن هناك اقتراحات أخرى تدور حول حرقها في مصانع، يمكن من خلالها إنتاج الوقود لمساعدتكم في حل هذه الأزمة أيضا، كما سمعنا أحد الأشرار يتحدث عن إلقائها في القمامة، رغم أن القمامة بها ما يكفيها، أو في البحر، إلا أنهم اختلفوا في أىٍّ من البحار، الأبيض أم الأحمر، على الرغم من أن البحر الميت هو الأقرب إلينا نفسياً.
■ نحن سوف نقبل بمصيرنا أياً كان، إلا أن هناك اقتراحا يتعلق بكم، طرحه أحد النابهين من نتاج الهذيان الثورى، يتحدث عن الذهاب بالجثث إلى حيث مقر مجلس الوزراء، والاعتصام بها ومعها أمام مكتبكم، وذلك لإرغامكم على إيجاد حل لهذه الأزمة الغريبة من نوعها، ونحن أردنا تحذيركم من هذا الاقتراح، لأنكم تعلمون أننا الآن في فصل الصيف، وأن الجثث سوف تتحلل وتتعفن بسرعة كبيرة، وبالتالى فإنكم والسادة الوزراء معكم لن تطيقوا رائحتها، كما أن المظهر العام أمام العالم الخارجى لن يكون ساراً بأى حال.
■ نرجو تكليف لجنة من طرفكم بعمل نسبة وتناسب للأراضى التي تقام عليها مبانٍ سكنية وغير سكنية مخالفة على امتداد العام، وللمساحات التي تقام عليها مقابر للأموات، سوف تجدون أنه لا يوجد وجه للمقارنة، لأننا نتحدث عن نحو ثلاثة أمتار مربعة للميت، بينما نتحدث في بعض الأحيان عن ثلاثمائة متر للحى، كما سوف تجدون أن مسكن الحى يحتاج إلى مرافق وخدمات واستهلاك كل أنواع مقومات الحياة، أما نحن فلا حول لنا ولا قوة، كل ما نريده هو إكرامنا بالدفن في هذه المساحة الصغيرة، مع العلم بأن المقبرة الواحدة تستوعب بمرور الوقت عشرات الجثث في صورة عائلة بأكملها.
■ بما أننا قد تركنا لكم الحياة الدنيا، وأرحناكم من مطالبنا اليومية من كهرباء ومياه وغذاء وغاز ومواصلات واتصالات وخلافه، فكان من المفترض أن تسارعوا بتسهيل عملية الدفن، وذلك لأن هذا الوضع الذي نحن فيه الآن قد يجعلنا نعدل عن موقفنا ونعود إلى الحياة مرة أخرى، وحين ذلك أنتم الخاسرون، حيث إضافة أعباء جديدة. وما نود تأكيده هو أننا نحن أيضا قد أراحنا الله منكم، ومن عناء الحياة التي لم نجد فيها معكم أياً من أنواع المتعة، حتى تجعلنا نتمسك بها، ولذلك فلن تجد بين عامة الناس مثلا من يدعو قائلا: اللهم أطل في عمرى، أو أي دعاء من هذا القبيل، بل على العكس، هناك من ينتحرون بصفة يومية، فقط كنا نطلب حسن الخاتمة التي من ضمنها الدفن الكريم.
■ على أي حال، نحن في انتظار من يحنو علينا، نكرر: (يحنو علينا) بإصدار قرار واضح يغض الطرف عن الأموات، حيث لا يعقل أن يستمر تعذيبكم لنا، وتسلطكم علينا إلى ما بعد الوفاة، راجين أن يشمل قراركم إلغاء كل المخالفات التي تم تحريرها لنا ولأهالينا بهذا الشأن، والتى أتخمت المحاكم، وشغلت القضاء، وجعلت التندر عليكم وعلى حكومتكم الموقرة بلا حدود، أما إذا لم تستوعبوا الموقف وتعملوا على تداركه فليس أمامنا سوى الدعاء على الظالمين، ونحن نعرف إلى أي مدى يؤرقكم ذلك الدعاء، وحينها سوف نكون بانتظاركم، أنتم جميعاً، وحينها أيضا لن يكون لكم مكان بيننا، المعاملة سوف تكون بالمثل، ولم لا؟ فالجميع حينئذ سواسية، يوم لا ينفع مال ولا بنون.. وبالتأكيد ولا حكومة.