فجأة وجد الناصريون أنفسهم دعاة للرجعية!
أنصار عبدالناصر الذي ظل طوال عمره يهاجم الرجعية، ويطارد الرجعيين ويلاحقهم مهاجما، هم أنفسهم الذين أصبحوا الآن أكثر الفصائل السياسية دعوة للرجوع إلى الخلف. فالماضى بالنسبة لهم هو «الزمن الجميل» يوم أن كانت مصر تتربع على عرش القلوب. قائدة لا منقادة. رئيسة لا مرءوسة. يدها هي العليا وصوتها هو الأعلى ورأسها فوق كل رأس. كانت أم كلثوم هي زعيمة الفنانين، لأنها ابنة مصر زعيمة الناطقين بالعربية. والزعيمة لا تنجب سوى زعماء. كنا نصفها نحن من باب التواضع– أو التظاهر به – بأنها الشقيقة الكبرى. ولكن أشقاءها الصغار هم الذين كانوا يصفونها بأنها أم العرب وليست مجرد شقيقة كبرت أم صغرت. بعد ثورة يناير وبزوغ عصر جديد شرع الناس في التطلع إلى التغيير، فتقلبت وجوه الخلق بحثا عن مصر القوية الأبية، الغنية. فلم يجدوها إلا في الماضى زمنا وفى عبدالناصر شخصا. وفى الستينيات عصرا. فسمعنا من يحدثنا عن عودة مصر إلى أفريقيا. وعودتها إلى أمتها العربية. عودة إلى مكانتها ومكانها. استدعاء عبدالناصر من مخزون الزمن. وطلب الناصرية من صيدلية التاريخ. إحياء صورة عبدالناصر من جديد في شخص السيسى. وقد ساهم الزى العسكرى في التقريب– وليس التطابق– بين الصورتين. رغم اختلاف التفاصيل. ولكن في الأحلام مسموح بكل ما لا يسمح به الواقع!
هكذا أصبح الناصريون سلفيين لا يرون أنفسهم إلا في السلف الصالح. عودة الثقافة إلى ثروت عكاشة وعودة الصناعة إلى عزيز صدقى. وعودة الإعلام إلى عبدالقادر حاتم. وعودة الاقتصاد إلى القيسونى وحسن عباس زكى. عودة الغناء إلى أم كلثوم وعبدالحليم والموسيقى إلى عبدالوهاب والسنباطى!!
ولكن هل هي الرجعية حقا؟!
في مطلع الثورة الروسية اشتد الهجوم على الرأس مالية في جميع الأوساط الروسية. وحين سمع الزعيم «لينين» ذلك قال لهؤلاء: علينا ألا نكثر اللعنات على الرأس مالية فقد كانت الرأس مالية هي الثورة لما كانت عليه روسية القيصرية!
نعم لقد كانت ثورة عبدالناصر هي النموذج والمثال الذي تقاس عليه الثورات. ولهذا لم يكن من قبيل «الرجوع أو الرجعية» أن يتطلع المصريون لمواصلة ما انقطع، واستئناف ما توقف من حلمهم. لقد كان عبدالناصر هو التقدم لما كانت عليه رجعية السادات ومبارك ومرسى!!
لماذا نستدعى تجارب الآخرين فنذهب إلى تركيا وماليزيا وحتى البرازيل. ولدينا تجربة لا نزال نعيش في خيراتها. فلنرجع إلى حيث توقفت بنا أو توقفنا بها. ونستكمل ما بدأناه بأيدينا ثم ركلناه بأرجلنا!
الناصرية هي الحل!!