x

علي السمان صفحات من التاريخ: ناصر والسادات بين الزعامة وفن القيادة علي السمان الجمعة 26-06-2015 21:08


لمن عاشوا عصر الرئيس جمال عبدالناصر ومازالت لديهم الذاكرة التى سجلت شاهداً حياً لعلاقة الشعب به، وانفجار الهتافات التى تعبر عن تلقائية حب الجماهير له، فهى فى علم السياسة علاقة زعيم بجماهير شعبه.

ثم جاء الصراع بين مجلس قيادة الثورة، برئاسة جمال عبدالناصر، وبين اللواء محمد نجيب فى 54 الذى تعاون مع الإخوان المسلمين، واستقال مجلس قيادة الثورة، وعاد الضباط إلى ثكناتهم. ولم تمر شهور قليلة حتى خرج العمال والنقابات فى مظاهرات تطالب بعودة مجلس قيادة الثورة وإقالة اللواء محمد نجيب، وتمت الاستجابة إلى مطالبهم.

ومع مرور الوقت جاء تأميم قناة السويس ومعه خطاب شهير فى الإسكندرية، الذى كان أول تجسيد لدور الزعيم وعلاقة الشعب.

ومرت الأيام وجاءت النكسة فى 67، وجاءت مفاجأة كبرى كامتحان للزعيم؛ فحينما أعلن خطاباً على شاشة التليفزيون يؤكد فيه أنه يتحمل بالكامل مسؤولية النكسة، وأنه يتنحى من منصبه ليأخذ مكانه كمواطن بين الجماهير، خرجت الآلاف - إن لم تكن ملايين- متجهة إلى بيته بمنشية البكرى مطالبة الزعيم بأن يبقى فى موقعه ويتحمل المسؤولية لإنقاذ الوطن.

إذن لم يكن رد فعل الشعب بالنسبة للزعيم الذى اعترف بمسؤوليته عن النكسة هو الثورة ضده بل التعلق به، وهذه هى فلسفة العلاقة بين الزعيم والجماهير التى تثق به بلا حدود.

ولا ينسى أحد امتداد زعامة عبدالناصر إلى العالم العربى، وكيف أنه عند الوحدة فى 58 خرجت الجماهير السورية تحمل عربة الزعيم على أكتافها.

وجاء تعبير عن علاقه الشعب بالزعيم عند وفاته، وخرجت الجماهير فى مصر وقيادات من الخارج بمثابة تحية وداع تاريخية لزعيم متفرد، وتميَّز أيضاً بكاريزما كانت عنصراً مهماً فى تعلق الشعب به.

أما عن الرئيس السادات فكان دوره مختلفاً، ولم تذهب فى البداية الجماهير إليه كزعيم ولكن كرئيس دولة، بدأ حكمه بـ 15 مايو حينما اعتقل رجال جمال عبدالناصر، واختار مجموعة جديدة، وبالذات ممدوح سالم وزيراً للداخلية.

وبدأ الإعداد لمعركة حرب أكتوبر بجدية مستعيناً بقادة على مستوى المسؤولية، وكان التيار داخل القوات المسلحة لا يحب الروس، وجاء يوم أثناء اجتماع اللجنة المركزية، وأعلن «طرد الخبراء الروس»، وأصر- رغم وجهة نظر بعض معاونيه، مثل العملاق حافظ إسماعيل- على تعبير «طرد الخبراء»، والغريب أن السادات لم يبع كارت الطرد إلى الولايات المتحدة، ولكن سجل معناه لدى جميع الدول.

وقليل من الملاحظين يعلمون أنه غداة قرار طرد الخبراء الروس طلب من الدكتور عزيز صدقى، رجل الدولة المحترم والمعروف بصداقته للاتحاد السوفيتى، الذهاب إلى موسكو، وأن يستغل صداقته بـ«الروس» لتهدئة الأجواء بعد طرد الخبراء الروس.

ونجح د.عزيز صدقى بقدراته وقوة شخصيته فى إقناع الروس بمطالب الرئيس السادات، وعاد بالطائرات المطلوبة لمعركة أكتوبر، وسجل التاريخ للدكتور عزيز صدقى فوزه الفريد فى مهمته فى موسكو.

وأتت حرب أكتوبر قبل بدايتها بنصر يأتى من دور السادات الذى يعرف ما يجب أن يخفيه، فلم يعرف أحد بتاريخ 6 أكتوبر، حتى يحقق هدفه الاستراتيجى، وهو عنصر المفاجأة فى الضربة الأولى التى وجهها لإسرائيل ورتبت الارتباك فى صفوفها.

إذن الدهاء كان يميز الرئيس السادات وليس دور وهالة الزعامة، وحينما تقدمت القوات المصرية بعض كيلومترات غرب القناة وتلقى مكالمة تليفونية من الماكر هنرى كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكية، يقول له فيها إن واشنطن لا تستطيع أن تترك إسرائيل تصل إلى حافة الهاوية. فهم الرئيس السادات متى ينتهى الدور العسكرى والمعارك، وتبدأ مرحلة المفاوضات. وهنا أعد كتيبة من أهم عقول الدبلوماسية المصرية لتكون بجانبه فى كامب ديفيد.

ولن أنسى أثناء لقائى معه فى باريس وهو فى طريقه إلى كامب ديفيد وهو يطلب منى، كمستشار للإعلام الخارجى، البقاء فى باريس؛ لأن أى مفاوضات تحتمل النجاح أو الفشل، وأنه فى حالة الفشل فإنه يفضل أن تبدأ حملة الهجوم الإعلامى على إسرائيل من باريس.

وحينما نراجع تاريخياً الأيام والليالى التى قضاها بجانب الرئيس كارتر فى مناورات المفاوضات، ووضع أمامه القاعدة التى لا تنازل عنها، وهى «أن كل شىء قابل للتفاوض ما عدا التنازل عن شبر من أرض مصر».

وهدد يوماً الجانب الأمريكى بأنه سيعد الحقائب ويغادر أمريكا، وهو ما كان رد فعله أن يذهب كارتر إلى عزرا وايزمان وديان ويطلب منهما إنقاذ المفاوضات بالضغط على بيجن.

ونجح السادات فى كامب ديفيد وعاد إلى مصر بالنصر فى معركة السلام.

إذن السادات لم يكن زعيماً، ولكن كان «رجل دولة» يتميز بالدهاء والقدرة على الحسابات.

وسيسجل التاريخ اسم عبدالناصر والسادات كقيادتين مختلفتين، ولكن لهما مكان متميز من تاريخ مصر والشرق الأوسط والعالم.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية