x

رفعت السعيد الديمقراطية.. حلم أم كابوس (1-2) رفعت السعيد الجمعة 17-07-2015 21:46


لو بدأنا باستنادات كى تقربنا من الحقيقة، * نقرأ فى القرآن الكريم «يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا». (النور-39) * أما جان جاك روسو فيقول «إذا أخذنا تعبير الديمقراطية الدقيق فإن الديمقراطية الحقيقية لم توجد أبدا. ولن توجد». * أما أرسطو الذى تغنى الكثيرون بحكمته فيقول «إن الطبيعة ذاتها ومن أجل حفظ النوع الإنسانى قد خلقت رجالا ليحكموا وخلقت رجالا ليطيعوا، وهى التى بررت حق العقلاء والحكماء فى أن يصبحوا سادة» * أما داهل فى كتابه «الديمقراطية» Dehel- On democracy) 1998) فيقول «إن كلمة ديمقراطية كانت تستخدم فى زمن الإغريق من جانب الأرستقراطيين للسخرية من العامة الذين يحاولون مساواة أنفسهم بالسادة» (ص7).

وأكاد أتصور أن داهل يقصد وضعنا الحالى عندما يتحكم السادة المليارديرات فى مفاتيح الثروة والإعلام والتأثير فى الرأى العام ويمتلكون أحزابا ثم يتحدثون بطلاقه عن الديمقراطية والمساواة والانتخابات الحرة غير مدركين خطورة ما يفعلون على مصر وعلى مستقبلها ومستقبلهم هم، وأحاول عبر ابن خلدون أن أحذرهم «من الخفى فى التاريخ الذهول عن تبدل الأحوال فى الأمم والأجيال تبدل الأعاصير فلا يتفطن له إلا الآحاد من الخليقة» (المقدمة- الجزء الأول- ص 194). وهكذا يقتادنا ابن خلدون رغم أنفنا إلى التأمل فى أحوالنا الراهنة لنكتشف حقيقة تحلق فوق رؤوسنا دون أن نتلقنها. فالديمقراطية لا تقتسم ولا تتحقق إلا إذا تحققت كل أركانها الأساسية، ولعل هذا هو السر فى الكلمات السابقة لروسو وابن خلدون وغيرهما، يمكنك أن تقسم رغيف خبز وأن تقتات حتى الشبع بنصف رغيف، لكنك لن تجد قيمة فعلية أو واقعية فى نصف ديمقراطية. فنصف الديمقراطية كائن معنوى مشوه لا هو بالديمقراطية ولا بعكسها فينشأ منه فى كل الأجيال نموذج قد يسمى بالديمقراطية المقيدة أو المستبدة أو حتى الاستبداد الديمقراطى.

ويأتى ذلك عندنا من الاختلال الواقع بين النصوص (دستور أو قوانين) وبين التطبيق الواقعى. فما قيمة نص دستورى يؤكد فى حزم على حق «جميع المواطنين فى الترشح فى الانتخابات بينما تفرض شروط مالية يعجز عن دفعها أكثر من نصف السكان؟ وقانون انتخاباتنا الحالى يفرض على المرشح سداد ثلاثة آلاف جنيه رسم ترشيح + خمسة آلاف جنيه للكشف الطبى المبتدع دستوريا. بينما45% من السكان تحت خط الفقر، فما قيمة نص دستورى يعطله فى الواقع نص قانونى ومبتدعات لا مبرر لها. كذلك تأتى الديمقراطية المشوهة عبر افتقاد التكافؤ، فهل ثمة تكافؤ ينعكس فى الواقع العملى رغم النص عليه بأحرف صارخة فى الدستور أو القوانين، وكمثال هل ثمة تكافؤ فعلى فى تولى الوظائف العامة؟ أو حتى التأهل لتولى وظائف معينة بسبب من تقييد فعلى يقوم على التمييز الفج؛ إما بسبب من الوضع الاجتماعى أو التمييز الأكثر فجاجة بسبب من الدين، وهل نسينا تصريح السيد المستشار وكان صريحا وواضحا فى عدم استحقاق أبناء الفقراء فى تولى وظيفة القضاء، وهذه حقيقة واقعية نراها كل يوم ونستشعرها دون أن ينطق بها أحد، وإذا كان التمييز بسبب من الوضع الاجتماعى خطأ أو حتى خطيئة، فإ استقرار مبدأ التمييز فى تولى وظائف معينة بسبب من الدين عار يلحق بنا جميعا حتى بمن يعانون منه دون أن يصرخوا برفضه. فإذا أتينا إلى ساحة الانتخابات التى تتهادى تحت شعارات النزاهة والشفافية والإشراف القضائى الكامل وحتى المتابعة من الخارج، نجد أن هذا كله يشكل مجرد قطعة من الديمقراطية وأخشى أن أقول إنها قطعة من كعكة تتزين بالشعارات والألفاظ لكنها مسمومة ولا تحقق بأى حال من الأحوال أى شفافية أو تعبير حقيقى عن الإرادة الفعلية لرأى عام يجرى خداعه علنا وبلا حياء، فهل ثمة ديمقراطية بلا تكافؤ. وأى تكافؤ فى انتخابات تنهمر فيها الملايين منذ أشهر عديدة لشراء أفواه جائعة وإرادة ترتهن لكراتين من السكر والشاى والزيت أو بأكياس من اللحم. وأى تكافؤ فى أن يكون سقف الإنفاق نصف مليون جنيه للمرشح علما بأنهم لا يلتزمون بل ينفقون أكثر، ولعل كثيرين جدا قد أنفقوا بالفعل والانتخابات لم تبدأ بعد ملايين تفوق بالطبع الحد الأقصى الذى نشكو من ضخامته والذى يعنى أن أكثر من 70% من السكان لن يستطيعوا الترشح، فأى ديمقراطية هذه؟ وعندما صرخت من فرط المغالاة فى أسقف الإنفاق قال لى أحد الذين صاغوا هذا النص «إنما نحن نعترف بالأمر الواقع» فقلت نحن فى 25 يناير لم نعترف بالأمر الواقع وفى 30 يونيو لم نعترف بالأمر الواقع، والفقراء الذين صدقونا واحتشدوا فى يناير ثم اعتذرنا لهم أن الثورة سرقت دون أن نفسر لهم لماذا، ثم عادوا ليصدقونا فى 30 يونيو، إذا بنا الآن نخذلهم ونقول لهم صراحة لا مكان لكم فى البرلمان فمقاعد البرلمان محجوزة فقط للأغنياء، وأخشى ما أخشاه أن نكتشف أن مثل هذا التمييز الفاسد يقتادنا إلى برلمان يتمخطر فى ساحته المتأسلمون ليفسدوا علينا مستقبلنا.

كيف؟ هذا ما سنراه فى المقال القادم.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية