لا أحد يستطيع أن ينكر شرعية الرئيس عبدالفتاح السيسى المنتخب عبر الصناديق مع شعبية جارفة، وأنه بالرغم من بعض الاعتراضات من قبل سياسيين أو مثقفين على أساليب إدارة البلاد، ستظل مجرد اجتهادات من البعض يريدون نتائج أفضل وأسرع حتى لو كانت عبر مسارات تختلف عن توجهات الحكومة الحالية، أما من يطالبون بانتخابات رئاسية مبكرة، فهؤلاء نقول لهم: الصمت أفضل، فنحن لسنا بحاجة إلى إعادة عقارب الساعة للوراء.
أتذكر أنه فى مثل هذه الفترة قبل عامين طالبت، ومعى كثير من المثقفين والسياسيين وملايين المصريين، بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة لتفادى حالة الانقسام التى كان فيها المجتمع، فشبح الحرب الأهلية كان يخيم على الجميع، والانسداد السياسى كان سيد الموقف، ولم تكن هناك بدائل لخلخلة الأزمة السياسية، لذا لم يكن هناك سوى العزل الشعبى للتخلص من الرئيس المعزول والإطاحة بالاستبداد الدينى، وخرجنا إلى الشوارع فى 30 يونيو ننشد التغيير والمطالبة برحيله، حتى حانت لحظة تدخل الجيش المصرى والاستجابة لرغبة الملايين فى 3 يوليو 2013 عبر توافق القوى الوطنية والأزهر والكنيسة على خارطة المستقبل، لإنقاذ البلاد من السقوط فى الهاوية، لذا أستغرب ممن يطالبون بانتخابات مبكرة رغم اختلاف الظروف والتحديات، إلى جانب بدء شعور المواطن بكثير من الإنجازات فى أقل من عام على حكم السيسى.
علينا أن نتحمل تداعيات المشهد الراهن داخلياً وخارجياً بكل شجاعة، وأن نستعيد ما فات، خاصة أن غالبية مؤسسات الدولة مترهلة، وجهات كانت تقدم الكثير لمصر فى الماضى تعانى من الشيخوخة حالياً، لذا علينا أن نهتم بترميم المنزل من الداخل عبر بناء المؤسسات، مع التواجد الفعال إقليمياً ودولياً، بعيداً عن المصالح الشخصية أو الحزبية الضيقة.
وخلال كتابتى هذا المقال كشفت تقارير دولية عن تنامى أعداد اللاجئين على مستوى العالم، ووصل الرقم إلى 60 مليون لاجئ فى 2014، ومعظمهم من بلدان الشرق الأوسط، وهو ما دعا البعض لوصف أبناء منطقتنا العربية باليتامى نتيجة مقتل وهجرة ونزوح الملايين منذ 2011؛ فالأزمة السورية مستمرة لعامها الخامس دون ظهور أى بوادر للحل السياسى، وليبيا أصبحت مرتعاً للجماعات والميليشيات المسلحة، والعراق لم يخرج من أزمته الطائفية بكل تداعياتها، وتركيا مستمرة فى تقديم الدعم للمتطرفين والميليشيات المسلحة وتغذية الصراعات الإقليمية.
وفى نفس الوقت كان عدد من القادة الأجانب ينهون اجتماعاتهم فى قمة الأمن العالمى التى استضافتها سلوفاكيا، ومناقشة التهديدات التى تواجه أوروبا، وخاصة خطر اللاجئين الأجانب وتنظيم داعش الإرهابى، فى محاولة لوضع خطط استراتيجية لمواجهة التهديدات التى تواجه القارة الأوروبية خاصة، والمجتمع الدولى عامة.
لذا، من الضرورة أن تكون محاولتنا لترتيب مؤسسات الدولة داخلياً ليست بمعزل عن التهديدات الإقليمية والدولية، فالإرهاب العالمى يؤثر بلا شك علينا فى الداخل، فى ظل عدم ظهور أى خطة واضحة من أجهزة الدولة لاقتلاع جذور التطرف، فإذا كانت الدولة عبر الجيش والشرطة تقوم بمواجهة الإرهاب فى سيناء، لاتزال بقية المؤسسات عاجزة عن مواجهة الإرهاب فكراً وتنظيماً، فالإرهاب لايزال يجد البيئة المناسبة للنمو، وتفريخ مزيد من العناصر المتطرفة التى تجد من الجماعات الإرهابية مثل داعش والقاعدة والنصرة وغيرها ملاذاً آمناً يحتوى أفكارهم الجهادية التى اطلعوا عليها فى المدارس والجامعات، وساعدهم المجتمع المقهور اجتماعياً واقتصادياً فى نضوجهم على تطبيق هذه الأفكار الجهادية فى عمليات إرهابية داخل وخارج مصر.
أعتقد أن أولوية المجتمع حالياً هى إجراء الانتخابات، وانعقاد البرلمان، وما يتبعه من تجربة ديمقراطية لاختيار حكومة حرب تعمل على انتشال المجتمع من مشكلاته، والتعامل بخطة خمسية للأمام حتى يتنفس المواطن نسائم الحرية التى ثار وناضل وتحمل الكثير من أجلها، بعيداً عمن يريد العودة للوراء واستدعاء القضايا الخلافية والمصالح الأيديولوجية والحزبية، وإطالة أمد المرحلة الانتقالية لسنوات قادمة، فلا تزال أحلام المواطن اليوم تبحث عن وطن يليق به!
ختاماً.. مصر فى يونيو 2013 كانت تعانى من الانسداد السياسى وخطر الحرب الأهلية، بينما مصر فى يونيو 2015 صحيح أنها تواجه تحديات عديدة، ولكنها قطعت شوطاً كبيراً نحو الاستقرار الممزوج بالأمل فى غد أفضل لكل المصريين.
* برلمانية سابقة وأستاذ العلوم السياسية