عاد وارتدى البدلة العسكرية لم تكن صدفة... كان الأمر لازماً، كما كان حاسماً.. واضحاً.. وباعثاً برسالة قصيرة: إن القائد فى الميدان.. بل أقصد- البطل فى الميدان ومثلما يظهر بات مان، وسوبر مان بزيهما من أجل إنقاذ موقف بعينه.. ظهر رئيسنا والقائد الأعلى لقواتنا المسلحة بزيه العسكرى من أجل طمأنة شعبه وكيد أعدائه.. إن البطل.. القائد.. الزعيم موجود.. سيهبط فى الحال عندما يحتاج ويلزم الأمر.. فهكذا يكون البطل.. وهكذا أيضاً تكون صناعته!!!... ليس فى إطار تمثيلية درامية بل فى إطار رسم صورة ذكية مدروسة تخاطب عقول تغزوها حروب نفسية مريرة لا يقل فتكها.. ضرارتها أو خطورتها عن مفرقعات وقنابل وأسلحة فتاكة أخرى..!!!
كان هذا الزى.. وكان هذا المشهد ما أوحى لى وزكرنى بمفهوم «البطل» ومعناه عبر الأزمنة ووجوده من عدمه فى حياتنا الآن، فمنذ بداية التاريخ والإنسان يبهر ويستمتع بالقصص والمغامرات الجريئة والتى تحمل كلماتها وسطورها مواقف بطولية يقوم بها ناس يتمتعون بصفات خاصة وخوارق جسدية غير عادية تسمح لهم بقهر الأشرار والأعداء معرضين ومضحين فى سبيل ذلك بحياتهم وأرواحهم حتى أصبح هذا المفهوم- بمعنى البطل- راسخاً فى الأذهان يتناقله جيل وراء جيل إلى أن تغير الأمر وتطور مثله مثل أى شىء فى الحياة واتخذ شكل البطل منعطفاً آخر- ربما أصبح أكثر نضوجاً- حيث تبلور دوره الذى اشتهر به خلال القرون الوسطى، والذى كان مرتبطاً بالقصص الغرامية، وما يحتاج ذلك من شجاعة وقدرات جسدية عالية إلى دور يتميز بالقدرات العقلية الخارقة، والتى جسدتها شخصيات بعض القصص البوليسية الشهيرة، والتى كانت تتركنا مأسورين ونحن نقرأ كتابة رشيقة تكشف قدرات أبطال القصة فى حل غموض أحداث يستحيل على الرجل العادى حلها أو تحقيقها.. ومن هنا.. أو من هذا المنطلق بدأ معنى الاتحاد بين «العقل والقوة» يمثلا المفهوم الجديد لمعايير البطل، والذى أصبح سائداً حتى يومنا هذا بل مؤكداً أن معايير البطولة لا يحددها الشكل أو النوع أو الحجم بل تحددها عقول قادرة على تقديم شجاعة بارعة لخدمة الآخرين.. هذا لا يعنى أن الرجل الحديدى بصفاته المتعارف عليها ليس موجوداً برصيد عال على شباك تذاكر السينما!! فنحن فى احتياج دائم أن نعيش الواقع والخيال معاً لنطمئن أن هناك أشخاصا قادرين على القيام بأعمال مذهلة تحد من مخاوفنا، وتحدث الفرق على حياتنا.. هؤلاء الأشخاص ناكرى للذات.. العلامة التى يتركونها لا تقيمها نتيجة أفعالهم... بل القيمة الحقيقية تكمن فى هذا الاستعداد وهذه النية الخالصة لخدمة الآخرين «والسبب» الذى يعملون من أجله، ومن ثم فإن الفشل إذا أصابهم أحياناً لا يعيبهم لأن قيمة إصرارهم وتحديهم للصعاب هما الجوهر الحقيقى لمعنى بطولتهم ومجدهم لا ينحصر فيما حققوه، وإنما فى معنى التضحية التى قدموها.. وأيضاً فى معنى تفهمنا أن الأبطال الحقيقين الذين نتعلق بهم هم فى النهاية أشخاص نحبهم لأننا نجد تشابهاً بيننا وبينهم.. نشعر بالارتياح تجاههم عندما نرى بساطتهم، ونتفهم أخطاؤهم ونحس بوجوههم الصادقة البعيدة عن الادعاء والزيف.. نحبهم لأننا نرى من خلال عيونهم هذه الثقة المؤكدة لحمايتنا.. القادرة على اتخاذ القرار الصحيح، ولكنها فى نفس الوقت يصيبها أحياناً الشك والخوف من الخطوات الواثقة التى اتخذتها.. بعبارة قصيرة «البطل بشر» وهذه هى الصفة الوحيدة التى تجمع بيننا وبينهم وتجذبنا إليهم.. هذه هى الحقيقة.. وعليك أن تختار.