x

عمار علي حسن ليس بـ«الترهيب» يُحارب «الإرهاب» عمار علي حسن الخميس 09-07-2015 21:32


أيظن الذين وضعوا المادة (33 ) من قانون مكافحة الإرهاب التى تجيز حبس الصحفيين والإعلاميين وتغريمهم أنهم قد أحسنوا صنعا بتحويل صحافتنا إلى نشرات صفراء أو إعادتها إلى زمن «الوقائع المصرية» فقط، وتحويل فضائياتنا إلى صناديق ملونة فارغة، وتسليم المصريين عامة إلى قنوات معادية أو ليست صديقة أو تستهدفنا وتخدم خطط المتطرفين والإرهابيين فى بلادنا.

لا يعلم هؤلاء المتسرعون الذين لم يتعلموا شيئا من دروس تاريخ هذا البلد العريق فى التصدى للمتطرفين والإرهابيين والمجرمين، أنهم يخدمون التكفيريين المسلحين، ومن يخطط لهم ويوجههم ويمولهم ويسلحهم، بما ظنوا أنه يجابههم أو يواجههم، ويصرون على تجريب ما سبق تطبيقه وفشل فشلا ذريعا فى محاربة الإرهاب الأسود.

نسى هؤلاء ومن ورائهم أهل الحكم والإدارة أن الأغلبية الكاسحة من الكتاب والصحفيين والإعلاميين فى طليعة المدافعين عن مدنية الحكم، والمنادين بالتمييز بين الدين والسلطة السياسية، والمؤمنين بأن السياسة لا تمارس إلا بشكل سلمى وعلنى وعلى أرضية وطنية وفى إطار الدستور والقانون اللذين يحددان الإطار الأساسى للشرعية والمشروعية.

كما نسوا أن حملة الأقلام على اختلاف أعمارهم ومستويات ثقافاتهم وحجم إسهامهم قاوموا الإرهاب، وفضحوا أصحابه وجرسوهم ونبذوهم وحذروا الناس منهم، فى كل موجاته الخمس التى شهدتها مصر منذ أربعينيات القرن العشرين على يد التنظيم الخاص لجماعة الإخوان وحتى ما نعيشه حاليا.

ولم يدرك واضعو القانون ومن خلفهم أن تقييد الصحافة والفضائيات بعدم إذاعة إلا ما يصدر عن مصادر رسمية فى مسألة الإرهاب يفقد الإعلام المصرى استقلاليته ومصداقيته وتنوعه، وبالتالى يجعل الناس تنصرف عنه كلما وقع حدث كبير، مثل ذلك الذى شهدته مدينة الشيخ زويد مؤخرا، وتذهب إلى الإعلام الآخر الذى يعرض الحدث على الهواء مباشرة أو يأتى بأطراف تتحدث من قلبه، أو يقدم تحليلات وآراء حوله، أو يضع خلفيات تاريخية لما يجرى حاليا، وفى كل هذا جاذبية تأخذ بالألباب وتخطف الأبصار وتشنف الأسماع وتجعل المصريين يهجرون إعلامهم المحلى ويسلمون رؤوسهم لـ«الجزيرة» وأخواتها، وللصحف الأجنبية وترجماتها، ولما يعرض على مواقع التواصل الاجتماعى وملحقاتها، وفى هذا لو يعلم أهل الحكم خطر داهم، وكرب عظيم.

كما أن من وضعوا هذه المادة، بل هذا القانون كله، لا يدركون أنهم بهذا يفتحون معارك بين فئات مهنية وقطاعات اجتماعية وبين السلطة الحالية، ويحدثون شرخا بين الطرفين، وهو غاية ما يصبو إليه الإرهابيون، الذين يدركون أنهم لن يحدثوا شيئا ولن تكون لهم أى فاعلية طالما أن الناس ملتفة حول الجيش فى هذه الحرب. فأى مصلحة تلك التى تحدث صراعا، ليس هذا وقته ولا طائل منه، بين الصحفيين والإعلاميين والحكم؟ وأى مصلحة تجعل من القوانين الاستثنائية معاقبة للمصريين جميعا؟ فحرية الصحافة ليست حرية للصحفيين، إنما هى حرية للناس الذين ينتظرون من الصحافة أن تمدهم عبر مصادرها ووسائلها الخاصة بالمعلومات التى يقر الدستور بأنها حق لهم، لا تنازل عنه، ولا تفريط فيه.

إن منطق «الحسنة تخص والسيئة تعم» قد يصلح للتطبيق فى المعسكرات لكنه لا ينفع أبدا فى التعامل مع المجتمع والمؤسسات المدنية والتوجهات الأهلية والهيئات غير النظامية، فلا تعاقبوا المصريين جميعا بجرائم تختلقونها، واستثناءات تتوسعون فيها، وأبعدوا أيديكم عن الصحافة لا تحققوا ما يهدف إليه الإرهابيون، وتعطوا العالم الخارجى فرصة كى يهاجم السلطة، والأهم تحدثوا شرخا بينها وبين الناس.

إن الصحافة والإعلام بوسعه أن يصحح أى خطأ يقع فيه، وأن يعمق مهنيته لتحمى حريته، وأهل الحكم عليهم أن يلوموا ويحاسبوا أنفسهم على تباطؤهم القاتل فى توفير المعلومات وترك الفرصة للإرهابيين كى يقولوا ما شاءوا والعالم ينقل عنهم والإعلام المصرى يقع فى فخهم قليلا، ثم يتدارك الأمر.

إن معالجة المشكلات بسن مزيد من التشريعات مسألة ثبت فشلها، فلا تجربوا ما جرب وأوصلنا إلى ما نحن فيه.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية