بعد أن استعاد الرئيس السادات سيناء حربا وسلما، ساد السلام عليها وعلى أرض الوادى. غير أن انسحاب إسرائيل من سيناء إلى حدود مصر الدولية، تنفيذا لاتفاقية السلام بينها وبين مصر، لم يفلح فى إزالة الخوف من قلوب عدد كبير من المثقفين والمسؤولين. وهو الخوف على سيناء التى استعدناها. فى مواجهة عدد كبير من الأفكار والآراء التى تحدثت عن تعمير وتنمية سيناء كانت هناك أفكار أخرى تسكن عقول ونفوس عدد كبير من المثقفين ومن أهل الحل والربط. هذه الأفكار الأخرى تصدر فحيحا يقول: إسرائيل سوف تستولى على سيناء مرة أخرى. أما لماذا سيفعل الإسرائيليون ذلك، فالإجابة دائما حاضرة: لأنهم أعداء، ولأنهم أشرار، ولأنهم يكرهوننا.
واكب ذلك عدة آراء معلنة صريحة تقول إنه عندما تقوم إسرائيل باحتلال سيناء سيكون من الصعب الدفاع عنها، ولذلك فأى تعمير لسيناء معناه أننا سنسلم العدو بقعة من الأرض ممتلئة بالمشاريع الزراعية والصناعية والسياحية. أنا أعتقد أن هذا الخوف الذى اكتسب طابعا حقيقيا أكيدا كان هو السبب فى كل القيود التى وضعناها على سيناء وعلى العمل فى سيناء، وبالتالى، ويا لبؤس الكلمات، كان السبب فى تخلفها وهو التخلف الذى نتجت عنه الحرب الدائرة على أرضها الآن.
فى عام 1967، وبعد هزيمتنا مباشرة، ظهرت مقولة كانت جديدة علينا فى تلك الأيام وهى أن المعركة بيننا وبين إسرائيل حضارية، أى أنها لا تُحسم على جبهة القتال وحدها.
غير أنى وحتى اللحظة لا أعرف ماذا كنا نقصد بحسم المعركة، على أى وجه نريد أن نحسمها. ولأن الإنسان عندما يجهل شيئا فهو يلجأ على الفور إلى المزيد من الخوف يحتمى به من الخوف. فكان الخوف من السلام بشكل عام. والمدهش أن نظام الرئيس مبارك كان موافقا على علاقات طبيعية تجارية وصناعية مع إسرائيل فى حدها الأدنى، مشروع الكويز على سبيل المثال، غير أن النظام كان يرفض بشدة أى علاقات طبيعية فى المجال الثقافى. على الأرجح كان يعتقد أن تلك العلاقة تهدد بنقل فيروسات فكرية وثقافية إلى المصريين تشكل خطرا على النظام. والغريب أن الضربة جاءته من ميدان التحرير وليس من العلاقات الثقافية الطبيعية المصرية- الإسرائيلية.
بكل أنواع الحسابات، مصر ستنتصر فى معركتها ضد الإرهاب والإرهابيين فى تلك الحرب المشتعلة بيننا وبينهم. وأقفز بذهنى إلى ما بعد الحرب وأقول: سيناء أرض مصرية، تسرى عليها كل القوانين المصرية، ويتمتع المواطنون فيها بكل الحقوق التى يتمتع بها مواطنو الوادى. وهو ما يحتم على الجميع أن يمتنع عن الخوف عليها. ذلك الخوف الذى حولها إلى بيئة حاضنة للإرهاب. كما أغامر وأقول: حكام إسرائيل ليسوا بلهاء للدرجة التى يدخلون فيها معركة مع المصريين يحتلون فيها سيناء.
الواضح أنهم اتخذوا قراراً بأن يقنعوا من اتفاقية السلام بإيقاف عجلة الحرب بينهم وبيننا. أما حكاية العلاقات الطبيعية بيننا فمن المؤكد أنها لم تعد تمثل لهم شيئا له أهمية. غير أنهم حريصون أيضا على ألا يكونوا سببا فى متاعب بيننا وبينهم. هم يستطيعون بالطبع أن يقيموا الدنيا ولا يقعدوها كل يوم بسبب ما يمكن اعتباره انتهاكا إعلاميا لاتفاقية السلام، أى صاحب برنامج تليفزيونى يذكر جملة «العدو الإسرائيلى» فى حواره، غير أنهم يتجاهلون ذلك. هم يتطلعون لذلك اليوم البعيد الذى يتخلص فيه المصريون من خوفهم ويتخلون عن فكرتهم السلبية عنهم.
سيناء أرض مصرية، يسكنها مصريون، وتسرى عليها كل القوانين المصرية. وحكاية أن إسرائيل ستهاجمها يوما ما خرافة وبلاهة.. الشعب العبرى يعرف جيدا حتمية علاقة الجيرة الطيبة مع الشعب المصرى. سينصلح حال هذه المنطقة التعسة عندما يتعاون أقدم شعبين فى التاريخ، العبرانيون والمصريون، مع بعضهما البعض.