الموت، لم تعد كلمة بعيدة عن العين والخاطر، بل أصبح ضيفا دائما ونجما أخباره شائعة فى كل نشرات الأخبار، العالم لم يعد يؤمن أن عليه انتظار ملاك الموت ليقبض الأرواح، جماعات كثيرة نصبت من نفسها مساعدين لعزرائيل، يعاونونه فى عمله بجد واجتهاد منقطع النظير، وكأن الموت أصبح البضاعة الرائجة هذه الأيام. بعد حادث تفجير موكب النائب العام الذى أدى لاستشهاد المستشار هشام بركات، تعالت الأصوات تطلب الثأر والانتقام من مدبرى الحادث وطال الحديث جماعة الإخوان وأعوانها من الجماعات التكفيرية المتطرفة، الحديث عن التشدد مع هؤلاء والضرب بقوة وعزيمة وبدون تهاون دون أن تأخذنا بهم الرأفة أو رحمة كان متوقعا ومنتظرا، بالإضافة إلى دفن ملف المصالحة للأبد فلاتصالح مع جماعة تلوثت يدها بدماء أشقاء الوطن، ولكن هل هذه الإجراءات ستردع الجهاديين عن تطرفهم؟ أمثال هؤلاء يجدون فى الموت سبيلا للتخلص من الحياة الدنيا التى لاتزيد أهميتها عن جناح بعوضة، كما أنه تذكرة دخول الجنة دون ترانزيت، الإسراع بمحاكمة وهؤلاء وسرعة تنفيذ الأحكام قصاص عادل يستحقونه ولكنه ليس الحل فى الحد من التطرف والعنف.
عدد كبير من الذين علقوا على حادث النائب العام فى القنوات الفضائية طالبوا الرئيس والحكومة بمزيد من التضييق على الحريات العامة فنحن فى حالة حرب والحديث عن الحريات رفاهية لايطلبها الآن إلا المتآمرون أعداء الوطن من أصحاب الأجندات الخارجية!!.. وهنا يجب أن ننتبه للفرق بين شباب يبحث عن التغيير لأنه يعشق الحياة ويريد أن يعيش فى وطنه حياة أفضل وبين إرهابى يبحث عن التدمير لأنه يعشق الموت ولايجد فى هذه الأرض موطنا يستحق الحياة فيه، ولايجب التعامل مع النوعين بنفس الفكر والأسلوب، فالشباب الذى يعارض فى العلن أو يتظاهر بسلمية لايريد أن يموت وأيضا ليس من أهدافه قتل الآخرين، فلايجب أن نجمع بين الاثنين فى سلة واحدة حين نتحدث عن ضرورة الربط والضبط بعد كل حادث إرهابى، ولكن الخوف أن يتحول بعض من هؤلاء الشباب نتيجة لظلم واقع عليهم إلى بذرة متطرف يمكن اجتذابه وتجنيده بعد ذلك وهو ما حدث من قبل مرارا وتكرارا.
ولنا فى رسول الله أسوة حسنة، الرسول الكريم لم يكن نبيا فقط، لكنه كان سياسيا بارعا فى تعامله مع المجتمع الذى يعيش فيه، ولذا استطاع أن يؤسس دولته فى المدينة ويجمع بين الفرقاء وأن يجعل من المهاجرين عونا لاعبئا، كما جعل القرآن من مصارف الزكاة الثمانية حصة للمؤلفة قلوبهم، وهم الأشخاص الذين يُرجى إسلامهم من الكفار أو لاتقاء شرهم وتجنيب الدعوة خطرهم ولو كانوا من الأغنياء، أو المسلمين الجدد الذىن يراد تثبيتهم على العقيدة، إن حصة المؤلفة قلوبهم لم تنسخ حتى اللحظة الآنية، فدائما وأبدا ستكون هناك فئة بين ظهرانينا يتم تحييد شرها أو جلب منفعتها بالمال أو المنصب أو التقدير، وهو ما يجب أن يتم التفكير فيه، فالحياة لايمكن أن تستمر على هذا الحال، عنف وعنف مضاد، فلابد أن يكون للسياسة والحنكة مكان، ولقد استطاع معاوية أن يحكم بالشعرة التى لم تنقطع بينه وبين الرعية، رغم أن حكمه جاء بعد الفتنة الكبرى وما تخلل تلك الفترة من عنف وانقسام فى صفوف المسلمين الأوائل وسقوط قتلى من الجانبين.
الرئيس السيسى يحاول دائما أن يبث فى نفوس الشعب التفاؤل بأحاديثه التى يختتمها دائما بشعار تحيا مصر، والأمل فى غد أفضل من اليوم والأمس، وعليه أن يظهر فى الفترة القادمة انحيازه للحياة، بتأمين الشباب واحتوائهم، فهم الفئة القادرة على محاربة ثقافة الموت والعنف، هم القادرون على بعث الروح فى مصر من جديد، وبدونهم لم تكن ثورة يناير ولايونيو لتنجح، فهم جيش الغد.. هم من يرفعون شعار: «إن كان الموت حق فالحياة أحق أن تعاش».