فى حفل إفطار دعا إليه صندوق «تحيا مصر» ألقى الرئيس كلمة موجزة، استوقفتنى فيها ثلاث نقاط.. اثنتان له، وواحدة عليه!
أما إحدى الاثنتين، فهى حرصه على أن يلفت انتباه أصحاب الأعمال فى البلد، إلى أنهم مدعوون لأن يستثمروا فى بلدهم الآن، بأكثر جداً مما كانوا يفعلون زمان، وأنه كرئيس للدولة كفيل بحل أى مشكلة قد تواجه أى واحد منهم، وأننا إذا كنا ندعو مستثمرى الخارج لأن يأتوا عندنا قبل غيرنا، لأن مصر هى ثانى البلاد عالمياً، من حيث عائد الاستثمار فيها، فالدعوة إلى مستثمرى الداخل هى أن يبقوا فى وطنهم لأنهم أولى به،
وألا يغادروه، وأن يعملوا فيه بجهد أكبر، وإنفاق أوسع، حتى وإن كان ربحهم لن يكون عند المستوى الذى يتوقعه كل واحد فيهم.. لماذا؟! لأن الربح الحقيقى فى هذه الحالة سوف يتمثل فى حالة الاستقرار التى سيؤدى إليها عملهم فى مجمله، فليس أنفع للمستثمر، على المدى البعيد من بلد آمن مستقر يعمل فيه، ولأن الربح المادى يذهب ويأتى، ولأنه فى حد ذاته ليس هو الذى يجب أن يشغل مستثمرينا وأصحاب أعمالنا فى هذه الأيام، وإنما يجب أن يشغلهم ما هو أعلى منه وأشمل.
وأما النقطة الثانية، فهى إدراك الرئيس الواضح من خلال كلمته، أنه مع أجهزة الدولة يعمل حتى الآن، على مستوى الحجر، وأن دور البشر لم يأت بعد، وأن هذا الدور قادم، وأنه فى ذهنه لا يفارقه، وأن الحكمة عنده من البدء بالحجر أولا، فى البنية الأساسية وغيرها، هى أن يشعر المصريون بسرعة أن هناك أملاً، وأن هناك أشياء تدعوهم للتفاؤل، فى شبكة الطرق القومية مثلاً، وفى قناة السويس الجديدة، وفى غيرهما.. وفيما بعد سوف يكون هناك عمل أكبر وأعمق، على مستوى «الإنسان» كإنسان فى بلدنا، وسوف يكون هو محور الاهتمام والإنفاق العام وإعادة البناء.
نقطة كهذه كنت أتمنى من جانبى أن تكون هى أولوية الرئيس منذ أول يوم له فى الرئاسة، وألا تكون مؤجلة، لأنى مؤمن بأن شعار «الإنسان أولاً» الذى كان الرئيس الأمريكى كلينتون يرفعه، فى انتخاباته عام 1992، لابد أن يكون شعارنا نحن هنا، وأن يكون هو، لا غيره، مبتدأ اهتمامنا العام ومنتهاه.
وأما التى على الرئيس، فهى إحساسه خلال الكلمة بأن استشعار الخطر على الدولة بوجه عام، عنده، ليس بالمستوى نفسه عند عدد كبير من المصريين، خصوصا الخطر على المستوى الاقتصادى!
ورغم أن الرئيس على حق فى هذا، ورغم أنه يبدو مهموماً طول الوقت بأوضاع بلده، ورغم أنه عازم بوطنية صادقة على تحسين هذه الأوضاع بأى ثمن، فإن عدم استشعار الخطر بالدرجة ذاتها، عند عدد لا بأس به منا، يظل مسؤوليته هو، ولابد أن يبحث هو أيضا عن طريقة يحشد بها الناس فى هذا الاتجاه، لأن الملايين الذين يثقون فيه لايزالون فى انتظار مشروع قومى أكبر.. يجتمعون معه حوله، ويرون أنفسهم فيه!