x

رفعت السعيد داعش والقاعدة.. أشقاء أم إخوة فى الرضاع (1-2) رفعت السعيد الجمعة 26-06-2015 21:06


■ ولست أخفى أن اختيار هذه المفارقة بين التنظيمين كان مقصودا بذاته، فالأشقاء يتوارثون والإخوة فى الرضاع لا يتوارثون، ولكنهم لا يتزاوجون فنحن إزاء نوعين من القرابة والفارق بينهما واضح ومقصود.

■ كذلك نستلفت النظر إلى إصرار أوباما على الأكذوبة الأمريكية الدائمة وهى أن جوهر الصراع أو الاتفاق بين الفرق الإسلامية يقوم أساسا على الخلاف المذهبى بين السنة والشيعة، بما يستدعى معاودة النظر إلى هذا الادعاء، والبحث فى حقيقة الفارق بينهما.

■ ولأننا ممن يعتقدون أن داعش هو فى الأساس صناعة أمريكية. وإن اختيار أبوبكر البغدادى رغم عدم جدارته وفشله المتكرر خليفة للمسلمين كان مطلوبا بشخصه برغم تكشف ما كان معلوما للأمريكيين منذ البدايـة. فصحيفة الإندبندت البريطانية تؤكد أنه رغم إعلان أمريكا رصد عشرة ملايين دولارا ثمنا لرأسه كان ولم يزل وبرغم تحالفات غير معلنة يعلن خصومته لمن صنعوه واختاروه، وأنه كان طالبا فاشلا ورسب أكثر من مرة فى دراسته حتى استعان بشهادة نجاح لأخيه. وهو مصاب بقصر النظر بما حرمه من الانضمام لجيش صدام. وفشل فى دراسة القانون فتحول إلى الحقل الذى يسهل على أى مدع اقتحامه وهو مجال الدراسات الفقهية. والبغدادى (44 عاما) من سكان سامراء وتفرغ لإعطاء دروس فى القرآن وتلاوته للأطفال. وقد قبض عليه عام 2004 بواسطة الأمريكيين، حيث قضى عاما فى السجن العسكرى. والاسم الحقيقى للبغدادى إبراهيم عواد البدرى.

وكان اختياره خليفة وإماما للسنة مقصودا ليتضاد مع خليفة سنى آخر هو إمام تنظيم القاعدة. ولأن القائلين بالخلافة لا يعترفون إلا بخليفة واحد له السمع والطاعة ولا يجوز خلعه، فإن الحيلة الأمريكية تضع خليفتين يتصارعان ويتعاونان فى آن واحد. وهذه حيلة قديمة بدأت مع بدء الصراع على إمارة المسلمين بعد وفاة الرسول.

وثمة مسألتان تستحقان التوقف أمامهما:

- الخلاف حول الخلافة.

- ومسألة الحكم بما أنزل الله.

وفى المسألة الأولى. نقرأ فى ابن الأثير «الكامل فى التاريخ» «نادى المغيرة بن شعبة عمر بن الخطاب يوم ولايته يا خليفة الله فرد عمر ذاك نبى الله داوود. فقال: يا خليفة رسول الله فأجابه ذاك صاحبكم المفقود (يقصد أبوبكر) فقال يا خليفة خليفة رسول الله فأجابه ذاك أمر يطول فناداه ممعنا فى العناد يا عمر فرد ابن الخطاب لا تبخس مكانى شرفه، أنتم المؤمنون وأنا أميركم».

إذن تسمية الأمير أو الإمام أو الحاكم «أمير المؤمنين» صناعة إنسانية أتت عبر معاندة، أما على بن أبى طالب فقد أتاه ممثل من اختارهم عمر بن الخطاب لاختيار خليفته وكانوا من كبار الصحابة ذلك أنه قال «والله ما أردت أن أحمل وزرها حيا وميتا»، وقال له ممثل المجموعة: يا على ابسط يدك لأبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين (أبوبكر وعمر) وأجاب على دون تردد: كتاب الله وسنة رسوله نعم أما الشيخان فلهما رأى ولى رأى «وهكذا أكد أن الحاكم أو الأمير إنما يحكم برأى إنسانى نسبى الصحة ونسبى الخطأ». ويختلف الحكام فى أحكامهم كل وفق طبيعته وقدرته على فهم الأوضاع أناسا وزمانا ومكانا. ويروى الإمام السيوطى فى كتابه «الإتقان فى علوم القرآن» (ص48) خطب الخليفة عبدالملك بن مروان (حكم 73-86 هجرية) يوم ولايته «يا أيها الناس لست بالخليفة المستضعف (عثمان) ولا بالخليفة المداهن (معاوية) ولا بالخليفة المأفون (يزيد) إلا أنى لا أداوى هذه الأمة إلا بالسيف حتى تستقيم لى قناتكم، والله لا يفعلن أحد فعلة إلا وجعلتها فى عنقه، والله لا يأمرنى أحد بتقوى الله بعد مقامى هذا إلا وضربت عنقه». وهكذا لخص عبدالملك ابن مروان مواقف الولاة، مؤكدا أن الأمر كله مجرد أفعال إنسانية قد تخطئ أو تصيب، فالأمر إنسانى ونسبى الصحة والخطأ ويتعلق بالصفات الإنسانية والأخلاقية وليس بالثياب ذات الطابع الدينى التى حاول الحكام إلباسها لأحكامهم ليفرضوا بها تحكمهم على عامة الناس. تسارع العديد من الفقهاء والمتفيقهين إلى محاولة تملق الحاكم بفتاوى لا تستهدف سوى خدمة السلطان المستبد، وتبرير وتمرير استبداده. فقال أبوالحسن المواردى فى كتابه (الأحكام السلطانية) «إن أهل الرأى متى عقدوا البيعة للإمام لا يجوز لمخلوق نقضها لأن الرعية عليها بموجب هذه البيعة الطاعة والنصر للإمام، ولا يحل لهم القيام عليه بحال من الأحوال».

أما أبوالأعلى المودودى الذى يمتلك تأثيرا فكريا كبيرا على تنظيم القاعدة فيقول «المطلوب للمسلمين الآن حاكم يقوم بوظيفة خليفة الله، فليس لأحد أن يأمر وينهى من غير أن تكون له سلطة من الله» (نظرية الإسلام وهديه - ص71).

وهكذا تبوأ أيمن الظواهرى موقع الخلافة فإذا قبل مشاركة البغدادى له كشقيق يتعاون ويتنافس ويتواجهان معا وضد أمريكا، فإنه يظل مستمتعا بموقع الأخ فى الرضاع.

ويبقى أن نتوقف أمام التضليل المتواصل من الجانبين حول فكرة «الحاكمية» والادعاء بأن أحكامهم هى حكم بما أنزل الله.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية