قد يبدو سؤالاً غريباً. لماذا لم نهدم قصر البارون إمبان؟ نعم هو أقام مصر الجديدة. أقام فندق هليوبوليس. هو الآن قصر الاتحادية. أقام المترو ليكون متصلاً بالقاهرة. أقام النوادى وحلبات السباق. أقام العمارات والفيلات. كل هذه مبررات تكفى لإخفاء أثره. ترك هذا القصر هكذا يتعارض مع غريزة الجحود العام. جحود مارسناه مع كل من صنع شيئاً أو ترك أثراً. ألم نزل تمثال سليمان باشا الفرنساوى. الذى درب أول جيش مصرى. ألم نزل تماثيل محمد على باشا الذى أقام دولة مصر الحديثة. ألم نزل تماثيل الخديو إسماعيل وتوفيق. تمثال الملك فؤاد الذى أقام جامعة القاهرة. الذى أرسى دستور 1923... إلى آخره. لست ملماً بالتاريخ حتى أتمادى فى الأمثلة.
■ ■ ■
يجب أن نكون متسقين مع أنفسنا. نحن شعب معظمه لا يمتنّ. هذا بصفة عامة. أما أنا شخصياً فيسعدنى أن أكون مع الأقلية. الأقلية الممتنة. أنا ممتن لعبدالناصر. فعل خطأً وفعل صواباً. لا أستطيع إنكاره. السادات نفس الشىء. كذلك مبارك. هم بشر غير معصومين من الخطأ. ممتن لهم ولمن قبلهم ولمن هو آت بعدهم. لماذا افترضنا فيهم غير ذلك.
■ ■ ■
لكن الجحود أسهل. أسهل كثيراً من الامتنان. الامتنان يستقضى مجهوداً، يستقضى تسامحاً وتجاوزاً وتسامياً. أما الجحود فلا يتطلب إلا إطلاق العنان لغرائزك. تتركها تديرك وتتعامل معك. نحن نطلب الاستثمار. ولكن قبل ذلك، ومع ذلك، صادر على المستثمر أن يمتلك بعضاً من أراضينا. هو لا يجوز له امتلاكها. سيناء مثلاً. هذا محظور. بل نذهب إلى ما هو أبعد. لو كان مصرياً خالصاً. ماذا لو تزوج بأجنبية «خائنة بالطبع». ماذا نفعل لو باع ما امتلكه لأجنبى «عدو بالطبع».
فى العالم كله حيث استثمرت – مُنحت جنسية البلد الذى استثمرت فيه. امتنان دولة. هنا أحطناك بالظنون والشكوك. أنت هنا ضمن مؤامرة كونية على مصر. لكن نحن منتبهون لها. كاشفون لمقاصد كل مستثمر لعين.
■ ■ ■
إذا أردنا تحويل هذه الموجة. موجة التشفى والجحود. هذا التوجه المريض. يجب أن نبدأ بشىء. نرسل به رسالة للعالم ولشعبنا قبل العالم. رسالة نقول فيها لن نجحد عمل من قام بشىء لمصر. أى شىء مفيد. أى مشروع. أى مبنى يضيف إلى عمارتنا. أى زراعة تضيف إلى زراعتنا. أى مصنع يؤكد على قوة أقتصادنا. سنكون له ممتنين. سيكون محل احترامنا وتقديرنا. نحن شعب مصر– سنعيد تمثال ديليسبس إلى قاعدته. سيكون هذا يوم افتتاح فرع القناة الجديد. سيكون هذا اليوم رمزاً لتحول مصر إلى مسار جديد. يقود إلى أعلى. يوماً نكرم به كل من تكرّم وأضاف.