x

عزت القمحاوي مصر كما تبدو من طائرة رامز جلال عزت القمحاوي الإثنين 22-06-2015 22:59


فى شهرنا هذا كما فى الرمضانات السابقة على مدى عقدين، تتحول مصر من دولة إلى مدينة للإنتاج الإعلامى، فيها من مضاربات ومقامرات مدن الترفيه أكثر مما فيها من ملامح مدن الإعلام.

مسلسلات وبرامج خرافية التكاليف بائسة المحتوى، تسترد ما تنفقه من إعلانات لمنتجات أكثر بؤسًا، لا يستطيع شعب أن يتابعها ويزاول نشاطًا آخر.

وليت الأمر يقتصر على إنفاق شهر من العام بلا إنتاج، بل يفرض الصخب الرمضانى نفسه قبل الشهر الكريم بشهور، فكل قناة تحاول حجز حصتها من دماغ المشاهد بإعلانات عن مسلسلاتها وبرامجها، تطارد المواطن على الكبارى وفوق الأسطح وفى القنوات نفسها، وفى أحلامه.

ولا يمكن أن يكون هذا الطفح الرمضانى ابن نفسه، بل هو مجرد عَرَض يفضح أمراض المجتمع باقتصاده، بسياساته، وثقافته. وإن بدأنا من أتفه جوانب الظاهرة، وهى إعلانات الطرق، سنجد أن وجودها يتعارض مع قواعد السلامة، ولكن من يهتم بحياة الناس؟!

وإذا توغلنا قليلاً لنبحث فى أطراف الصراع، سنكتشف بؤس الصورة الإعلامية، فالتنافس قائم بين محطات وافدة من دول خليجية وقطاع خاص مصرى، النوع الأول لديه فضيلة الوضوح، بعكس الثانى الذى لا نعرف مصادر تمويل معظم قنواته. وفى المقابل، فالتليفزيون المصرى ومؤسسات إنتاجه خارج هذه المنافسة، ومع ذلك فهو مستمر فى البقاء الإكلينيكى، لا ميت ولا حى.

والصورة فى مجملها هى صورة سياسات التلفيق والعجز. لا قرار بإنعاش تليفزيون الدولة أو تصفيته، ولا مراقبة لتمويل التليفزيون الخاص. وهذا لا يجوز، فالمجتمعات الديمقراطية غير اليائسة تراقب رأس المال ولا تراقب المحتوى الإعلامى، بينما نفعل العكس: نترك مخالفات التمويل، ونتربص للقناة على الناصية الأخرى، لكى نخرج لها مخالفة التأسيس لمجرد تفوه ضيف بما لا يُرضى النظام.

وإذا انتقلنا إلى المحتوى الإعلامى فى الهوجة الرمضانية، فسنجد كل عيوب ونقائص، ليس الإعلام فحسب، بل أمراض الاقتصاد والثقافة، متجسدة فيما يبثه التليفزيون:

أولاً: انعدام أبسط قواعد المهنية ممثلاً فى غياب التوازن بين مساحات الإعلان والإعلام، إلى حد أن المشاهد ينسى بقية البرنامج أو المسلسل بين كل فاصل إعلانى وآخر.

ثانيًا: انعدام المعايير الاجتماعية والأخلاقية بالتغاضى عن العنف الواضح فى برامج مثل برنامج رامز جلال، وفى الإعلانات، من ركل وصفع وألفاظ لا يمكن قبولها.

ثالثًا: انعدام سلطة الدولة على الاقتصاد، كما تبدو من المقارنة بين كم الإعلانات الذى تموله بسخاء شركات الاتصالات والمأكولات والمشروبات فى مقابل مستويات الخدمة السيئة وأسعارها التى تتجاوز الأسعار فى العالم. والجديد هذا العام هو إعلانات سلسلة مطاعم، بكثافة تفوق قدرات دول. وحيث أراد المطعم أن يرد على شائعة حول سلامة اللحوم لم يتركنا إلا ونحن نتساءل عن حجم أرباحه.

رابعًا: صورة ثقافة عدم الإتقان وصورة اقتصاد العصابة مجتمعين يبدوان من خلال المفارقة بين دفع الملايين للممثل وبالبخل بملاليم كان من شأنها تحسين المحتوى لو أنفقت على تدقيق المادة التاريخية أو ضبط اللهجات.

خامسًا وأخيرًا: صورة اقتصاد العصابة تجر وراءها صورة اقتصاد الإحسان، حيث تتكثف فى رمضان الإعلانات التى تعرض عاهات الأطفال علنًا، فى ظل حكومة تبدو مستقيلة من مسؤولياتها تاركة الجمعيات لتكسو وتسكن وتعالج. أما صورة المروج الخضراء فى إعلانات المنتجعات وصورة مزابل الفقراء فى إعلانات التسول، فتقدمان معًا صورة لبلد فاقد لرشده.

ومع كل ما تقدم، رمضان كريم!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية