x

إبراهيم البحراوي إحراق الكنائس بين الكراهية اليهودية والعنصرية إبراهيم البحراوي الإثنين 22-06-2015 22:57


أولا، لا بد أن أوضح لمن لا يعلم أننى كاتب مسلم، وأن رفضى واستنكارى هنا لجريمتين وقعتا الأسبوع الماضى ضد كنيستين مسيحيتين، إحداهما فى الولايات المتحدة، والثانية على شاطئ بحيرة طبرية- نابعان من حرصى على ضروره احترام بيوت العبادة وسلامة المصلين فى جميع الأديان.

ثانيا، إن مصطلح الكراهية الدينية أو العنصرية ليس من عندى، ولكنه مأخوذ بالنسبة لحادث الولايات المتحدة من تحقيقات الشرطة الأمريكية، بشأن جريمة العدوان على كنيسة عمانوئيل الأفريقية الأسقفية التى يرتادها السود، والتى اقترفها الشاب الأمريكى الأبيض ديلان روف، والتى قتل فيها تسعة من رجال الدين ومن الحاضرين لدرس عن الكتاب المقدس، حيث إن الشرطة أفادت بأن المتهم البالغ من العمر واحدا وعشرين عاما قد نفذ جريمة كراهية عنصرية وأنه يتسم بميول عنصرية، وسبق أن عبر عن كراهيته للسود، ووصفهم بأنهم يدمرون أمريكا.

كذلك استخلصت مصطلح الكراهية الدينية اليهودية فيما يتعلق بجريمة إحراق كنيسة السمك أو الطابغة الكاثوليكية العربية ذات الطابع الأثرى الواقعة شمال القدس المحتلة، على ضفاف بحيرة طبرية- من تصريحات مستشار الكنيسة، وديع أبونصار، الذى قال (إن الحريق تم إشعاله عمدا بدليل أن العبارات التى كتبها الجناة باللغة العبرية تصف المسيحيين بأنهم عبدة أوثان، وهو شعار يرفعه المتطرفون اليهود، ونحن لا نستطيع اتهام أحد بعينه حاليا، فما زالت الشرطه تقوم بالتحقيق).

لقد أكدت المتحدثة باسم الشرطة الإسرائيلية دافع الكراهية اليهودية للمسيحيين، عندما قالت إن الشرطة عثرت على عبارات متعددة مكتوبة بالعبرية، من بينها عبارة يا رب دمر الوثنيين. وإذا كانت جريمة الشاب الأمريكى المسيحى ترتبط بتراث العنصرية الأمريكى الذى يكافحه أصحاب الضمير الإنسانى الأمريكيين، منذ عهد الرئيس لينكولن الذى خاض حربا ضد الجنوبيين العنصريين الذين كانو مصممين على استعباد السود، كحيوانات وأدوات للإنتاج فإن جريمة إحراق الكنيسة العربية تأتى على عكس ذلك، حيث إن حكومات اليمين الإسرائيلى تغذى الكراهية الدينية والعنصرية ضد العرب.

إن إحراق كنيسة السمك يرتبط بدافعين: أولا، بالاحتلال الإسرائيلى وتصميم المستوطنين اليهود على تطهير الأرض المحتلة من أصحابها العرب وتدمير مقدساتهم الإسلامية والمسيحية.

والدافع الثانى هو دافع التطرف الدينى عند الجماعات اليهودية المتطرفة التى ترى أن اليهودية وحدها هى الدين السماوى، وأن ما عداها أديان وثنية يجب تدمير مقدساتها. لقد علقت جمعية يهودية، أسسها مجموعة حاخامات معتدلون باسم حاخامات مع حقوق الإنسان، على الجريمة، وأصدرت بيان استنكار لها ذكرت فيه أن عدد الجرائم التى ارتكبت بدافع الكراهية من يهود ضد مساجد وكنائس وأديرة مسيحية بلغ ثلاثا وأربعين جريمة منذ عام ٢٠٠٩ فقط، بينها هجوم على مبنى الكنيسة الأرثوذكسية بالقرب من القدس. سنلاحظ أن هذا النوع من الجرائم قد زاد فى ظل حكم ليكود، برئاسة نتنياهو، بدءا من عام ٢٠٠٩ فى حين أنه قاد الحملة الشاملة ضد رئيس الوزراء إسحاق رابين عام ١٩٩٥ لقيام الأخير بتوقيع اتفاقية أوسلو وتسليم السلطه الفلسطينية بعض أجزاء الضفة الغربية، وهى الحملة التى انتهت باغتيال رابين على يد الشاب يجأل عامير. لهذا لا أستبعد صحة التحليل الذى قدمه عضو الكنيست العربى أيمن عودة، رئيس القائمة العربية المشتركة، الذى قال فيه إن إحراق كنيسة طبرية ليس من عمل مجموعة صغيرة من المتطرفين، بل هو جريمة كراهية تنضم إلى عشرات الحوادث المماثلة، بهدف تكبيد العرب ثمنا فادحا عقابا على مطالبتهم بوقف الاستيطان اليهودى فى أراضيهم، وهى ظاهرة آخذة فى الاتساع ناتجة عن تحريض الحكومة وسياستها العنصرية والإقصائية. لقد جاء مقالى الثلاثاء الماضى تحت عنوان (أشواك حكومة نتنياهو الجديدة) وقد أشرت فيه إلى قرار عنصرى يطبق سياسة الفصل العنصرى بين المستوطنين اليهود فى الضفة والعمال العرب، أصحاب الأرض، وكذلك إلى دعوة نفتالى بينيت، وزير التعليم، إلى توسيع الاستيطان اليهودى بالجولان.

وأعتقد أن جريمة إحراق كنيسة بحيرة طبرية أتت بعد أيام من دعوة بينت، زعيم حزب المستوطنين، البيت اليهودى استجابة لأجواء التحريض التى تتعمد حكومة اليمين إشاعتها ضد العرب فى الأرض المحتلة. لقد رصدنا سياسة تنهجها مجموعات المستوطنين المتطرفين القريبين من بينت، وهى سياسة تسمى (اجعلوا العرب يدفعون الثمن)، كلما تعالت الأصوات الرافضة للاستيطان حتى لو كانت يهودية، وهى تأخذ صورة تدميرالمقدسات الدينية للعرب، وأيضا ممتلكاتهم ومزارعهم، ما يؤكد أن دافع الأطماع التوسعية الإسرائيلية موجود بقوة وراء إحراق الكنيسة، بالإضافة إلى مفهوم احتكار اليهودية للعلاقة مع السماء دون المسيحية والإسلام.

إن العدوان على كنيسة طبرية تم اختياره لتوجيه ضربة إلى صلب المسيحية، فهى ليست كنيسة عادية، بل إن طابعها الأثرى يرتبط بإحياء ذكرى إحدى معجزات السيد المسيح- عليه السلام- الواردة بالإنجيل، وهى معجزة الإكثار من السمك والخبز، عندما تجمع حوله آلاف الفقراء، وأراد إطعامهم، غير أن الصيد ببحيرة طبرية ذاك اليوم كان شحيحا، وكان الخبز المتاح قليلا، فوضع السيد المسيح- عليه السلام- يده فى الوعاء شبه الفارغ، ثم دعا الناس لأن يتناولوا الطعام، فأصابتهم الدهشة من الدعوة إلى إناء شبه فارغ إلا من سمكات وأرغفة لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، وكانت المعجزة أن كل من مد يده داخل الوعاء وجد فيه الكثير من السمك والخبز حتى شبع الجميع من ألوف الناس.

لهذا لا يجب بأى حال أن تستخف الحكومات العربية بهذه الجريمة التى أحرقت بالكامل موقعا عربيا له قداسة دينية عليا فى الديانة المسيحية. إن بيانات الاستنكار للجريمة، التى صدرت عن الحكومة الإسرائيلية لا يجب أن تخدعنا مهما تحاملت على المعتدين، فهى مجرد بيانات لنفاق العالم والتغطية على مسؤولية الحكومة اليمينية المتطرفة فى تغذية أجواء التطرف والتحريض ضد العرب.

ولذلك فإننى أعتبر الكلمات التى قالها وزير الأمن الداخلى الإسرائيلى جلعاد أردان هى والعدم سواء، فقد قال إن إضرام النار فى الكنيسة عمل جبان وخسيس، ويتنافى مع القيم الإسرائيلية. طبعا تناسى حضرة الوزير الكلمات التحريضية التى أدلى بها قبل الجريمة بأيام زميله الوزير بينيت عن ضرورة تكثيف الاستيطان فى الجولان وتهويدها، بزيادة عدد المستوطنين فيها من عشرة آلاف إلى مائة ألف يهودى. إن انشغال الحكومات العربية فى محاربة إرهاب الجماعات الإسلاميه المتطرفة التى تعتدى هى الأخرى على المساجد، كما يحدث فى السعودية والعراق واليمن وعلى الكنائس، كما يحدث فى مصر والعراق هو انشغال لا يجب أن يحول بين هذه الحكومات والقيام بمسؤوليتها فى التصدى للإرهاب اليهودى الذى يدمر مقدساتنا فى فلسطين وهضبة الجولان.

إن الحكومة الإسرائيلية تعتمد استرتيجية ثابتة، عندما تريد الرد على أى هجوم تقوم به أى منظمة عربية عليها. إنها تعتبر الدولة العربية التى جاء من أراضيها الهجوم مسؤولة عنه، ويجب أن تتحمل نتائجه حتى لو كان الهجوم قد وقع بدون علم الحكومة العربية. أعتقد أن الجامعة العربية بالحكومات العربية الممثلة فيها يجب أن تطبق هذه الاستراتيجية، وأن تحمل الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة أمام مجلس الأمن الدولى مسؤولية إحراق الكنيسة الأثرية وسائر جرائم العدوان على المقدسات العربية فى الأراضى المحتلة، ذلك أن هناك فارقا جوهريا بين موقف الحكومة الأمريكية التى تحارب بجدية جرائم الكراهية العنصرية وبين موقف حكومة اليمين الإسرائيلية التى تغذى ميول العنصرية والكراهية للعرب، وتحرض على العدوان على مقدساتهم، بدءا بالمسجد الأقصى المبارك، وانتهاء بكنيسة معجزة السمك المسيحية على ضفاف بحيرة طبرية.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية