فى عدد الأربعاء السابع عشر من يوليو من هذا العام صدرت «المصرى اليوم» وعلى رأس صفحتها الأولى العنوان التالى: الأحزاب المصرية مائة عام والمراهقة مستمرة وعبارة للدكتور الغزالى – يقول فيها لو اختفت – بعض الأحزاب – لن يشعر أحد. ويقول الدكتور محمد أبوالغار الدولة والإسلام لا يقران منح مزايا، ويقول الدكتور رفعت السعيد بالقانون تحالف الأحزاب لازم يفشل، ويقول عبدالمنعم كامل كيانات تعمل لصالح الممول، وتقول مارجريت عازر إن الأحزاب تحولت إلى شركات.
هذا ما جاء فى صدر صحيفتنا الغراء «المصرى اليوم» فى العدد الذى أشرت إليه.
و السؤال الآن هو من المسؤول عن ذلك؟ هل الشعب هو المسؤول أم أن المسؤولية تقع على عاتق أولئك الذين يتزعمون الأحزاب السياسية ولا تحركهم فى الأغلب الأعم إلا مصالح خاصة وأغراض ذاتية وليست المصلحة العامة. الرغبة فى الزعامة ولو كانت زائفة وتغليب ذلك على المصلحة القومية هى أحد الأسباب الجوهرية لهذا الذى نحن فيه.
لقد قام الشعب المصرى - العظيم بحق – بثورتين أطاح فى الأولى بطغيان وفساد حزب مبارك وأطاح فى الثانية بطغيان التضليل باسم الدين، وبعد أن أطاح الشعب فى ثورته الثانية بالتضليل الدينى وضع بقيادته التى تمثلت فى قيادة جيش مصر - جيش مصر الذى لم يكن أبداً على مدار التاريخ الحديث إلا جيش مصر وجيش مصر فقط – وضع الشعب بهذه القيادة خريطة طريق تمثلت فى خطوات ثلاث.
وأجريت انتخابات رئاسة الجمهورية التى فاز بها بجدارة قائد ثورة الثلاثين من يونيو المشير عبدالفتاح السيسى. وليس كون السيسى رجلاً عسكرياً فى الأصل أن يكون معنى ذلك أن النظام عسكرى. لقد كان أيزنهاور رئيساً للولايات المتحدة بالانتخاب فى وقت من الأوقات، وكان الجنرال ديجول رئيساً للجمهورية الفرنسية الخامسة بالانتخاب، ولم يقل أحد إن النظام كان عسكرياً.
لا أحد يستطيع أن يحرم أفراد الجيش من حق المواطنة وكل ما يترتب على هذا الحق – حق المواطنة – من حقوق سياسية.
وبعد أن تمت الخطوتان الأولى والثانية من خطوات مرحلة الطريق ها نحن نواجه المرحلة الثالثة: مرحلة انتخابات البرلمان.
ونقف أمامها فى هذه الحيرة التى يعبر عنها صدر هذا المقال.
والسؤال من جديد هل لدينا الأحزاب القادرة على خوض انتخابات ديمقراطية حقيقية أم أننا للأسف المر نقف أمام مشكلة حقيقية نقول بصراحة إننا لسنا أمام أحزاب وإنما نحن أمام هياكل فارغة من كل مضمون، مما أدى إلى وصفها على نحو ما وصفها به بعض السياسيين الحزبيين الذين ذكرنا أسماءهم وعباراتهم فى صدر هذا المقال.
ونعود إلى السؤال: ما العمل؟
هل نجرى الانتخابات بعد شهر أو شهرين أو ثلاثة؟ أى هل نجرى انتخابات فى مدى معقول أم هل نرجئ الانتخابات تماماً إلى حين آخر تحدده الظروف وبذلك لا نكمل مرحلة الطريق؟.
الأمران يؤديان إلى نتائج خطيرة إن لم نقل بل إلى نتائج وخيمة.
ونعود مرة أخرى إلى العبارات الواردة فى صدر المقال: الأحزاب المصرية مائة عام والمراهقة مستمرة.
أعود إلى هذه العبارة لكى أذكر بأن أقدم الأحزاب المصرية – فى الدولة الحديثة – أنشئ على يد مصطفى كامل بعد حادثة دنشواى التى اعتدى فيها ضباط الاحتلال على الفلاحين فى قرية صغيرة من قرى محافظة المنوفية، وذلك أن أطلقوا رصاصهم لصيد الحمام فصادوا الحمام وأحرقوا الزرع واتخذ مصطفى كامل من هذا الحادث سبباً ليؤلب به الرأى العام العالمى على الاستعمار الإنجليزى، مستعيناً بذلك بالجمهور الفرنسى الذى كان فى عداء مع الاستعمار الإنجليزى. وكان ذلك قبل مائة عام (عام 1907 ) وتوفى مصطفى كامل ولم يكمل رسالته. توفى وهو لم يبلغ سن الخامسة والثلاثين، وقال حافظ إبراهيم فى رثائه يخاطب قبره:
يا قبر هذا الضيف آمــــــــــــــــال أمة فكــــبر وهلل وألق ضيفك جاثياً
عزيز علينا أن نرى فيك (مصطفى) شهيد العلا فى زهرة العمر ذاوياً
وتأملوا فى هذه العبارة: يا قبر هذا الضيف آمال أمة.
وبعد مصطفى كامل تولى قيادة الحزب الوطنى شهيد النضال والكفاح «محمد فريد» وفى سنوات توليه الحزب حدثت أمور مهمة. أنشئ نادى المدارس العليا وأنشئت كثير من المؤسسات الأهلية الكاملة. وخان الاستعمار محمد فريد فنفاه إلى الخارج. ولما مات محمد فريد فى فرنسا لم يجد من ينقل رفاته إلى أرض الوطن إلا تاجر بسيط تولى نقلها من باريس إلى مارسيليا ومن مارسيليا بحراً إلى الإسكندرية ومن الإسكندرية إلى القاهرة براً حيث وورى التراب إلى جوار زميله مصطفى كامل. وقال العقاد فى رثائه:
ما كان أطولها طريق جنازة وكذلك شأنك فى الكفاح طويلا.
ونتحرك بضع خطوات فى تاريخ الحياة الحزبية إلى أن نصل إلى الرئيس أنور السادات، الذى أراد أن يبين النظام الحزبى وكان هناك زميل من زملائنا من أعضاء الحزب الوطنى القديم اسمه «ماهر محمد علم» أشار على الرئيس السادات أن يسمى حزبه الذى يريد أن ينشئه «الحزب الوطنى» وأن يعلن إطلاقه من مدرسة مصطفى كامل بالسيدة زينب. وقد كان – ولكن ما أبعد اليوم عن البارحة ما أبعد المضمون فى كل من الحزبين وإن اتفقت الأسماء.
وللحديث بقية.
والله المستعان.