كلنا يعرف لقمان الحكيم، وصايا لقمان لابنه درسناها جميعا في منهج التربية الدينية، حفظناها وكررناها واستقرت في وجداننا، ويبقى السؤال من هو لقمان الحكيم؟ أين ومتى عاش؟ وكيف كانت حياته؟
ما نعرفه عنه جميعا أنه عبد صالح منحه الله الخير الكثير واصطفاه بالذكر في القرآن الكريم، فله سوره تحمل اسمه وهي السورة رقم 31 في ترتيب المصحف العثمانى وعدد آياتها 34، وهي سورة مكية في معظمها على مايروى، وذكر لقمان ووصاياه لابنه في ثمان أيات منها (من الآية رقم 12وحتى الآية رقم 19 )، ولقد اختلفت الآراء حول لقمان هل هو نبي يوحى إليه أم رجل صالح أوتي من الحكمة الكثير؟.
كان لقمان محل الكثير من المقارنات والأقاويل، عقدت مقارنه بينه وبين احيقار الحكيم، كاتب سنحاريب ملك آشور ونينوى، والتى سجل خطاط آرامي نصائحه لابنه على إحدى عشرة ورقة من البردي، عثر عليها سنة في أوائل القرن العشرين في جزيرة فيلة بأسوان ويعود تاريخ هذه النصوص إلى القرن الخامس ق. م.
واحيقار معناه أخى الموقر ونصائحه لابنه بالتبنى «نادان» بها الكثير من أوجه التشابه مع وصايا لقمان التي جاء ذكرها في القرآن، وهناك من يقارن لقمان بحكيم آخر وهو إيسوب، حكيم يوناني يعود ذكره للقرن السادس قبل الميلاد، يذكره البعض باعتباره شخصية حقيقية والبعض الآخر باعتباره أسطورة من نسج الخيال ـ وتروى عنه خرافات وأقاصيص تدورعلى لسان الحيوانات وتحمل الحكمة والإرشاد وتشبه إلى حد كبير حكايات كليلة ودمنة.
في كتب السيرة يروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم انه عرف لقمان بقوله: «كان عبداً كثير التفكر، حسن الظن، كثير الصمت، أحب الله فأحبه الله، فمن عليه بالحكمة»، وتختلف هذه الكتب حول شخصية لقمان، بعضها يجده عبدا حبشيا أعتقه سيده بعد ما أنقذته حكمته من مواقف كادت أن تهلكه وتكلفه حياته، والبعض يروي أنه عاش بمصر وتحديدا في النوبة وكان يعمل نجارا، روايات تذكر عن يقين أنه عاش في عصر داوود وسليمان عليهما السلام، وروايات أخرى تذكر أنه عاصر نبي الله أيوب وله به صلة قرابة: ابن اخته أوابن خالته، ومن الروايات التي نسجت أيضا حول لقمان أنه طلب من الله عمرا مديدا كما طلب سليمان ملكا لايؤتي مثله لبشر، وأن الله خيره بين أعمار عدد من الكائنات فاختار أن يكون له عمر 7 نسور وهي المعروف عنها أنها معمرة.
الطبيعى أن تختلف الأقوال حول لقمان، فالقرآن لم يذكر عن تاريخه شيئا، ولكن القرآن جعل منه شخصية ملهمة، مما جعلها مثار تساؤل ومحل بحث وفضول، ولكن حقيقة الأمر أن علينا ان نفكر في لقمان كما أشار له الله فلقد رسم لنا القرآن صورته ببساطة ووضوح «وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ»، والحكمة ليست بالشيء القليل يقول تعالى في سورة البقرة «يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ».
والحكمة لها تعريفات كثيرة، الحكمة علم يتجاوز المعلومات الجزئية إلى المفاهيم الكلية، وهى وضع الشيء في موضعه، وتعريفها في قواميس اللغة أن الكلمة في الأصل تعنى أداة تحيط بحنكى الفرس، تمنعه من الجري الشديد وتذلل الدابة لراكبها، حتى تمنعها من الجماح1، ومنه اشتقاق الحكمة، لأنها تمنع صاحبها من أخلاق الأراذل.
وأحكم الأمر: أي اتقنه فستحكم ومنعه عن الفساد، أو منعه من الخروج عما يريد.
قال أبوإسماعيل الهروى: الحكمة اسم لإحكام وضع الشيء في موضعه.
وقال النووى: الحكمة، عبارة عن العلم المتصف بالأحكام، المشتمل على المعرفة بالله، المصحوب بنفاذ البصيرة، وتهذيب النفس، وتحقيق الحق، والعمل به، والصد عن اتباع الهوى والباطل، والحكيم من له ذلك.
وقال ابن القيم: الحكمة: فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغى.
في مقال الثلاثاء القادم بإذن الله نستكمل حكاية لقمان، وحكمته ووصاياه لابنه والتي تعد دستورًا أخلاقيًا يصلح لكل زمان ومكان.