هذه كلماتٌ موجزةٌ، حول ما يكثر هذه الأيام من مبادرات المصالحة.
بعدما انكشفت أخلاقُ الجماعة، وبعدما ظهر فكرُها السياسى الحقيقى، وبعدما أسفرت التجارب عن نواياها، لم يعد أمامها ولا أمامنا إلا أن نتكلم بوضوح.
رقم واحد: أعترفُ أن الجماعة وأشباهها، لها جذور لا يُستهانُ بها فى المجتمع المصرى، بعض هذه الجذور تعود للجهد التنظيمى والحركى الذى تبذله الجماعة منذ تأسيسها، وبعضها ينمو فى عموم العاطفة الدينية عند المصريين، وبعضها يأتى من فشل الحكومات فى ضمان حياة مادية ومعنوية كريمة لعموم الناس.
رقم اثنين: أعترفُ أن من الصعب إغلاق ملف الجماعة دون تسوية سياسية فى إطار مشروع ديمقراطى يستوعب كل الأطياف السياسية فى مصر.
رقم ثلاثة: هذا المشروع الديمقراطى ليس موجوداً، ومن ثم فإن الاستيعاب ليس موجوداً، لا للإخوان، ولا لغير الإخوان، فنحن فى حقبة جديدة - نسألُ الله ألا تطول - من الحكم الفردى الواضح والصريح، فردٌ واحدٌ فقط يملك شؤون البلاد ومصائر العباد.
رقم أربعة: الإخوان هم من قرروا عزل أنفسهم من الحكم بما أصدروه من إعلان دستورى استفز الشعب كله ضدهم، وبما مارسوه من أخونة وحصار وتكويش واستحواذ على كل مقدرات الدولة والأمة، وكذلك هم من قرروا إقصاء أنفسهم وتهميش دورهم بلجوئهم إلى المواجهة والتهديد بالعنف ثم ممارسة العنف من قبل سقوط الرئيس مرسى بشهر وحتى هذه الساعة، عامان كاملان من العنف الإخوانى الصريح بدعوى استرداد الشرعية.
رقم خمسة: الأخطر من عنف الإخوان تجاه الدولة، والأخطر من إقصاء الإخوان لأنفسهم، هو هذا الإقصاء الناعم والشامل، الذى يمارسه حكام 30 يونيو، ضد كل القوى والأصوات المدنية، إقصاء يصنع حالة من الفراغ يملؤها الحاكم الفردُ وبطانتُه اليوم، وغداً يصيبهم الإرهاق والتعب، ليتقدم الإخوان ليملأوا هذا الفراغ وهكذا دواليك، ننتقل من فاشية الحكم الفردى إلى فاشية الحكم الدينى.
رقم ستة: مصر هى الضحية، الدولة المدنية هى الضحية، القوى المدنية هى الضحية، الشعب المصرى هو الضحية، لهذا قبل أن نتكلم فى أى تسوية أو مصالحة بين الإخوان وحكام 30 يونيو، علينا أن نقاتل من أجل مدنية الدولة، فلا دينية ولا عسكرية، نقاتل من أجل خلق طبقة سياسية جديدة لن- ثم لن، ثم لن- تكون لها أى فرصة للنمو الطبيعى، ونحن ننتقل من الرمضاء إلى النار، ومن فاشية دينية إلى فاشية وطنية.
رقم سبعة: كل القوى المدنية - القديمة والجديدة - محبوسة ومحجوبة عن دخول الملعب، ويتم إلهاؤها بمماطلات وتسويفات، ويتم شغلها بمعارك شخصية حول تفاصيل تافهة، وليس من العدل أن نغض البصر عن هذه الحقيقة، لا لشىء إلا أن هذه القوى لم تلجأ إلى العنف كما لجأ الإخوان، فهل من يلجأ إلى العنف يتم الاعتراف به ويجرى الحديث عن تسوية أو مصالحة معه؟! وأما من يلتزم العقل يدفع ثمن عقلانيته ويتم إهماله أو اعتقاله أو تهميشه؟!.
رقم ثمانية: الجماعة والدولة لا يلتقيان، التنظيم والشعب لا يتعايشان، تفكيكُ الجماعة، وتفكيك التنظيم بديهيتان من بديهيات السياسة لمن يفهم معنى الجماعة فهى بديل عن الدولة، ولمن يفهم معنى التنظيم فهو بديل عن الشعب، ولمن يفهم حقيقة أنه لا توجد دولة فى التاريخ - عندها ذرَّة إحساس سياسى - تقبل بوجود جماعة تنوى إزالتها، ويقبل بوجود تنظيم هو - فى حقيقته - قوة شبه عسكرية يستهدف تقويضها.
رقم تسعة: ليس أمام الإخوان: إلا أن يقبلوا بفكرة تفكيك الجماعة كمشروع سياسى مُعادٍ للدولة الوطنية، ثم تفكيك التنظيم كقوة عمل سرية تتربص الإغارة على الدولة بالرفق فى لحظات الاستضعاف، ثم بالعنف فى لحظات الاستقواء.
رقم عشرة: ليس أمامنا - إذا قبل الإخوانُ بذلك - إلا أن نقبل وجودهم السياسى، فى إطار حزبى يرضونه، حتى لو كان حزب الحرية والعدالة، بشرط أن يكون هذا الإطار الحزبى هو وعاء العمل الوحيد، وهو إطار الحركة الوحيد، فلا جماعة ولا تنظيم سرى.
آخرُ الكلام: لا الإخوان استفادوا من أخطائهم، ولا حكام 30 يونيو - وهم استمرار لحكام 23 يوليو 1952م - استفادوا من أخطائهم.
الحل باختصار: فى بديل مدنى قادر على الوصول إلى الحكم حتى يخضع له هؤلاء وأولئك.
«ويقولون متى هو، قل عسى أن يكون قريبا» صدق الله العظيم.