x

شوقي علام الفتنة الطائفية وتفتيت وحدة الأمة شوقي علام الأحد 14-06-2015 21:33


لا يمكن أن تحدث نهضة حقيقية فى دولة ما، وقد هُمّش بعض عناصرها نتيجة اختلاف فى العرق أو اللون أو الدين أو أى عامل آخر من عوامل الفرقة والطائفية.

إن الإسلام قد امتن على البشرية بأن الله- تعالى- قد خلقها ليس على نمط واحد، بل على أنماط وأشكال وأفكار متعددة (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم). فسبحان الله الذى ينبهنا إلى أن الاختلاف مدعاة للتعارف لا للتناكر، وللتقارب لا للتدابر، وللتعاون لا للفرقة والاحتراب، والله- سبحانه وتعالى- يقول: (.. ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم)، فالاختلاف فى الكون وفى الخلق سنة الله- سبحانه وتعالى- ولو شاء لجعل الناس أمة واحدة وملة واحدة ودينا واحدا ولونا واحدا.. لكن شاءت حكمة الله- تعالى- أن تسير قوانين الكون والحياة على غير ذلك التوحد، بل أن تسير على نمط من التتوع والاختلاف فى كل شىء ليختبر الله- سبحانه وتعالى- بعضنا ببعض، فذو اللون الأبيض يعتقد أنه مفضل على ذى اللون الأسود، والله- تبارك وتعالى- خالق الأبيض والأسود، ولا فضل لأحدهما على الآخر إلا بالتقوى، فإذا ما علمنا أن الاختلاف والتنوع سنة كونية لزم أن نوجد بيننا صيغا للوحدة والتآلف والتعايش من أجل تحقيق الوحدة التى لا تتقدم المجتمعات والأمم بدونها.

وإذا نظرنا إلى الطرح الذى تطرحه الجماعات الإرهابية المعاصرة بحق غير المسلمين، بل بحق المسلمين المختلفين معهم فى الرأى الذى يكون فى أغلب الأحيان من قبيل الفروع الخلافية السائغة نرى أنه متناقض تماما مع سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- التى تدعو إلى السلام والتعايش والأمان بين أبناء الأمة الواحدة، وإن كانوا على اختلاف فى العقيدة والدين، وإن سيف التكفير والقتل الذى يرفعه هؤلاء الطائفيون- وهو أقرب وسيلة لديهم للتعامل مع الاختلاف العقدى والفقهى- يخالف هدى المصطفى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الذى أول ما نزل إلى المدينة كتب وثيقته المشهورة للتعايش بين أهل المدينة، على اختلاف أنواعهم وأفكارهم وعقائدهم، وإن الناظر إلى المبادئ التى احتوت عليها وثيقة المدينة لوجدها تشتمل على الرحمة والعدل وحرية الاعتقاد واستقلال الذمة المالية وعدم الاعتداء على الناس فى شؤون حياتهم، ونصت على التعاون والرحمة فى سبيل حماية الوطن الواحد، ومما جاء فى حرية العقيدة، فيشير البند الأول من هذه الوثيقة إلى هذاالأمر: «يهود بنى عوف أُمَّة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم. مواليهم وأنفسهم». وهذه هى القاعدة الأولى، ومعناها أن حرية العقيدة فى الإسلام حقيقة كبرى: «لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ» [البقرة: 256]، فللمسلمين دين، ولليهود دين.. وفى هذا إشارة واضحة إلى أن غير المسلمين يتمتعون بناء على هذه الوثيقة بالحرية الكاملة فى ممارسة عقائدهم وشعائرهم، ولهم كامل الحرية فى التعبيرعن آرائهم فى ظلِّ القانون والثقافة التى تحكم مجتمع المدينة فى ذلك الوقت.

ومما يشير أيضا إلى استقلال ذمتهم المالية ما نصه «وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم»، ومعنى هذا أنه لا سلطان للمسلمين على أموال غيرهم من غير المسلمين، ليس معنى أن المسلمين حكام أو أصحاب أغلبية أن لهم سلطة على أموال غيرهم.

ومما يشير أيضًا إلى التعاون فى سبيل حماية الوطن فى حالة العدوان الخارجى «وإن بينهم النصر على مَنْ حارب أهل هذه الصحيفة»، «وإن اليهود يُنفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين»، «وإنه لا تُجار قريش ولا مَنْ نصرها»، ويُؤَكِّد البند الحادى عشر- أيضًا- على معانى الوطنية، والمسؤولية التى تقع على كاهل كل طرف من الأطراف التى تسكن المدينة، وذلك حتى يشعر الجميع أن هذا وطنه، وأنه يجب عليه حمايته: «وإن بينهم (أهل هذه الوثيقة) النصر على من دهم يثرب‏،‏ على كل أناس حصَّتُهُم من جانبهم الذى قِبَلَهُمْ».

وكتب رسول الله كتابًا لأهل نجران جاء فيه: «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ لِلأسْقُف أَبِي الْحَارِثِ، وَأَسَاقِفَةِ نَجْرَانَ، وَكَهَنَتِهِمْ، وَرُهْبَانِهِمْ، وَكُلِّ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ جِوَارُ اللهِ وَرَسُولِهِ، لا يُغَيَّرُ أُسقفٌ مِنْ أسقفتِهِ، وَلا رَاهِبٌ مِنْ رَهْبَانِيَّتِهِ، وَلا كَاهِنٌ مِنْ كَهَانَتِهِ، وَلا يُغَيَّرُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهِمْ، وَلا سُلْطَانهُمْ، وَلا مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، جِوَارُ اللهِ وَرَسُولِهِ أَبَدًا مَا أَصْلَحُوا وَنَصَحُوا عَلَيْهِمْ غَيْر مُبْتَلينَ بِظُلْمٍ وَلا ظَالِمِينَ».

هذه هى سنة النبى- صلى الله عليه وسلم- وهذا هديه، فأين ما نراه اليوم من تلك الجماعات الإرهابية الطائفية من أفعال مشينة تترفع عنها العجماوات التى لا تفقه، ولا تمتلك غير جبلة سوية وخلقة نقية تأبى عليها مثل هذه الأفعال؟!

لقد دمرت الطائفية دولا بأكملها، ومزقت أهلها شيعا، وقد كان هذا قريبا منا مرادا لنا، لولا أن منَّ الله علينا بيقظة شعب مصر جميعا مسلمين ومسيحيين، حيث وقفوا صفا واحدا أمام من يريد لهم شق الصف والفرقة والفتنة والاقتتال والحرب الأهلية الطائفية التى لا تبقى ولا تذر، فحيا الله هذا الشعب الحضارى الكريم ولا فض الله وحدته ولا نقض غزله ولا مكن عدوا منه. اللهم آمين.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية