x

مي عزام حديث الثلاثاء.....كلنا سلوى مي عزام الثلاثاء 09-06-2015 05:19


«سأنتحر»قالت الكلمة بعناد ثم انخرطت في نوبة بكاء هيستيرى، حاولت تهدئتها، لكن حالتها ازدادت سوءًا كان جسمها كله ينتفض وهي تبكى بحرقة، والدموع تنهمر بسخونة على وجنتيها، حتى لامست وجهى وأنا أحتضنها، كنت أردد بدون وعى وقلق «مالك؟.. مالك؟»، ولما استمرت في البكاء ولم ترد على سؤالى سوى بالمزيد من الدموع، قلت لها: «أبكى.. أبكى.. لاتكبتى مشاعرك»، لم يكن بإمكانى أن أفعل أي شىء آخر سوى مشاركتها في هذه الحالة، لعلها تهدأ وتحكى.

لم تكن هذه هي سلوى التي عرفتها، لم تكن تلك المرأة البدينة المحطمة هي نفس الفتاة الطموحة المتطلعة التي كانت تملأ الدنيا من حولها مرحا، ولم تكن حالتها تدل أبدا على أسلوبها القديم كفتاة متحررة عاشت قصة حب جميلة في رحاب الجامعة انتهت بزواج غير تقليدى، اشترطت فيه أن تظل علاقتها بالزوج الحبيب تحمل ندية الزملاء ومودة الأصدقاء، وتفاهم العاشقين، فماذا حدث لسلوى؟، وأى مأساة انتهت بها إلى هذا التحول العجيب؟

كانت ظروف الحياة قد فرقت بيننا منذ سنوات طويلة، حتى انقطعت الاتصالات والأخبار بيننا تماما، وفي مطلع الشهر الحالى فاجأتنى باتصال تليفونى، لم يكن صوت سلوى في التليفون هو نفس الصوت الذي عرفتها به وتركتها عليه، حتى إننى لم أعرفها فاضطرت لتذكيرى بنفسها، وشعرت أننى وضعت نفسى في موقف سخيف، فاعتذرت بتودد، وألقيت بالمسؤولية على الزمن والمشاغل وسنوات الفراق، وحاولت أن أداعبها بطريقتنا القديمة، لكنها استقبلت دعابتى بفتور أحرجنى أكثر، تواعدنا على اللقاء وانتهت المكالمة لكن دهشتى لم تنته، حتى إننى شككت أن تكون المتحدثة هي نفسها سلوى صديقتى التي كنا نشبهها بسعاد حسنى، كان صوتها باردا وحديثها بلا حنين ولا ذكريات، ولما التقينا في اليوم التالى لم أعرفها، وعندما وجدت سيدة بدينة منكوشة الشعر تتجه نحوى مباشرة، لم أتخيل أبدا أن تكون سلوى، لكنها صعقتنى وقالت: «إزيك يا مى»، حاولت استدراك الموقف: ووقفت لأحتضنها وأنا أقول بود: «إزيك ياسلوى، وحشتينى، احكى لى عملتى إيه السنين اللى فاتت....»، وقاطعتنى سلوى وهي تقول: «أنا قررت أنتحر» لم أستوعب الكلمة، وتداخلت «مقالب زمان» مع الحالة التي أراها عليها الآن، فلم أعرف هل عبارتها هزل أم جد، وقلت لها :بلاش مبالغات تعالى نقعد ونسترجع أيامنا الحلوة، فصرخت بعناد: هنتحر يعنى هنتحر، ثم دخلت في نوبة بكاء الهيستيرى، ولما جلسنا كانت كلماتها مبعثرة، وعيناها شاردتان، ويداها ترتعشان وهي تقبض على سيجارة لاتنطفئ إلا لتعطى الفرصة لأختها لتشتعل. جلسنا أكثر من ساعتين سمعت خلالهما الكثير من الأمور العادية، لكنها في مجملها تؤكد أن الدنيا مضت عكس مسيرة الأحلام التي لونتها سلوى بيديها في بداية الرحلة، فقد سافرت مع زوجها للعمل، وهناك تحولا إلى آلة لجمع الأموال، وأهمل كل منهما الآخر حتى انتهت الأمور بانفصال بارد، ثم زواج ثان متعجل انتهى بفشل آخر، وعودة بآمال جديدة لمصر، ثم انكسارات متوالية دمرت كل ما في حياتها، وقالت لى: عندما لم يبق من القديم والجديد سوى علاقتى بك، طاردنى هاجس البحث عنك، حتى عثرت على تليفونك، وعندما لم تعرفينى لأول وهلة، ولمحت نظرة الدهشة في عينيك، شعرت أننى انتهيت، وقررت الانتحار.

استعادت سلوى هدوءها بعد عدة جلسات للفضفضة، وفي إحدى الجلسات سألتها ودمعة واحدة تفلت من عينى: انت صحيح ممكن تنتحرى يا سلوى؟

فقالت وهي تبتسم لأول مرة: احنا متنا من سنين يا مي.. ولا عزاء لأبناء الطبقة الوسطى.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية