في يونيو 2013 اجتمع ثلاثة صحفيين وإيريك سنودن الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأميركية في حجرة بفندق صغير في هونج كونج، كانوا يتابعون بتوتر وقلق بالغ رد فعل العالم على ماتم تسريبه من وثائق تؤكد أن وكالة الأمن القومي سجلت كل المكالمات الهاتفية للمواطنين في الولايات المتحدة .
في الأيام التي تلت ذلك، نشر هؤلاء الصحفيين وغيرهم وثائق تكشف أن الحكومات التي تصف نفسها الديمقراطية كانت تراقب الأنشطة الخاصة للمواطنين العاديين الذين لم يقترفوا خطأ ولم يفعلوا مايستدعى مراقبتهم، وكأن تلك الحكومات قد تحولت لشخصية «الأخ الكبير» في رواية 1984 لجورج اورويل.
حكومة الولايات المتحدة وجهت اتهامات عديدة لسنودن استخدمت فيها قوانين تعود للحرب العالمية وخاصة بالتجسس،كما ان الصحفيين كانوا معرضين للاعتقال اذا عادوا للولايات المتحدة، وأغلب السياسيين اعتبروا ما حدث خيانة للوطن.
هذا جزء مما ذكره إيريك سنودن في المقال الذي نشره يوم الخميس الماضى (4 يونيو) في أربع صحف كبرى: «ليبراسيون» الفرنسية و«نيويورك تايمز» الأمريكية، «دير شبيجل» الألمانية و«إل باييس» الإسبانية وكان عنوانه: العالم يقول «لا» للمراقبة، وتحدث فيه عن الصحوة العالمية ضد التلصص واختراق الحياة الشخصية للمواطنين، وأن ما حدث كان له أثر في الولايات المتحدة نفسها حيث تم الغاء قانون باتروت للمراقبة بحكم محكمة ،وهو القانون الذي تم اقراره بعد أحداث 11 سبتمبر، وبعد جلسات للكونجرس تبين انه لم يكن له دور أو فائدة في الحيلولة دون أي هجمات إرهابية لاحقة، كما ان شركات التكنولوجيا تحاول الآن ان تسد الثغرات الموجودة في البنية التحتية للانترنت والتى تستطيع بها الحكومات اختراق خصوصية المواطنين عن طريق اجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة، ونجحت شركات مثل آبل في الوصول لطرق تحقق الخصوصية لمستخدمى اجهزتها حتى في حال سرقتها عن طريق التشفير، في المقابل أصبحت بعض الخدمات الأكثر شعبية على الانترنت في العالم شركاء في برامج المراقبة الجماعية لوكالة الأمن القومي الأمريكى، والحكومات في جميع أنحاء العالم تضغط على شركات التكنولوجيا للعمل ضد عملائها وليس لصالحهم لتسلمهم بياناتهم التي تشمل تحديد الموقع الجغرافي والاتصالات ليتم مراقبتها.
سنودن الذي ضحى بمستقبله من أجل قيم الحرية والخصوصية التي آمن بها والتى وجد أن حكومة بلاده تعمل ضدها، حصل على جائزة سام آدامز سنة 2013 ورُشحه نائبان في البرلمان الأوربى لنيل جائزة نوبل للسلام العام كأشادة بمساهمته في حماية حقوق الإنسان الكونية وبينها الحق في الحياة الخاصة وحرية التعبير، ولكن ذلك لم يغير من حالة النفى الاختيارى الذي يعيشه في روسيا الآن بعيدا عن بلاده.
سنودن اعتبر أن ما قدمه من تضحية بمستقبله لم يكن هباء بل كان بمثابة جرس إنذار، نبه الحكومات والمواطنين والشركات لأخطار اختراق الخصوصية وهذا يعد انتصارا لا يخصه وحده لكن يخص المواطن العادى في جميع انحاء العالم والذى نحن جزء منه، فهل يشعر المواطن المصرى البسيط بهذا الانتصار الذي يتحدث عنه سنودن؟
فكرت في هؤلاء الذين شاهدهم رئيس الوزراء المهندس إبراهم محلب في جولته بمعهد القلب ومعهد تيودور بلهارس، الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء في انتظار استشارة طبيب أو قرص دواء أو أشعة مجانية، المواطن الذي يحتاج لسوء حظه أن يذهب لقسم شرطة اويدخل في اجراءات تقاضى ليستعيد حقه، وكيف يعامل في هذه الأماكن، وأنا تعرضت لموقف مثل هذا حين قدمت معارضة لغرامات المرور، وشاهدت كيف يعامل أمين الشرطة وحاجب المحكمة المواطنين بصورة غير إنسانية تمتهن الكرامة وتذل النفس، ولا أحتاج لدخول قسم شرطة لأعرف ما يحدث هناك في حال كنت من المشتبه فيهم لاقدر الله، فالنتائج تظهر واضحة جلية على جسد ووجوه المواطنين.
أفكر وأتخيل هل سمع أحد منهم عن سنودن؟ وهل يهتم المواطن المصرى البسيط بتجسس دولته المحترمة على موبايله؟ وهو الذي يعيش مكشوفا بلا كرامة تغطيه، مهانا في العلن وليس في الخفاء. أتخيل سنودن ولقد جاء مصر في زيارة قصيرة ،ماذا سيفعل؟ هل سيعتبر ان ما فعله انتصار للمواطن ام ان المصرى لايصح ان نطلق عليه لقب مواطن أساسا فالدولة المؤمنة تعتبر شعبها عابر سبيل امتثالا لقوله تعالى «كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذوالجلال والإكرام».