يعانى اتحاد الإذاعة والتليفزيون «ماسبيرو» من أزمة كبرى، سببها سيطرة الدولة عليه طوال 60 عاما، ومن تلك الأزمات وجود 37 ألف موظف الكثير منهم بدون عمل، ومديونية تصل إلى 23 مليار جنيه، وهروب المعلنين والمشاهدين، وفشل جميع محاولات التطوير على عتبات المبنى، حتى أصبحت حالته كما يراها المراقبون «مستعصية»، وآخرون يعتبرونه «متوفى إكلينيكيا»، فيما يطالب الخبراء بضرورة تنفيذ خطة إعادة هيكلة وتطوير عاجلة، تنهض به من كبوته، من خلال تحويله إلى هيئة مستقلة تعبر عن آمال وطموحات الشعب بعد ثورتين، وتعالج أمراض «البيروقراطية» التى عانى منها على مدار العقود الماضية.
قال الدكتور صفوت العالم، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، إن الحكومة تعتبر «ماسبيرو» خادما لها ولمؤسسات الدولة المختلفة، مشيرا إلى أن «ماسبيرو» دفع ثمن فاتورة دعايته للحزب الوطنى المنحل طوال 30 عاما، حيث كان بوقا له، ينقل حصريا اجتماعاته ومؤتمراته، وتنفرد برامجه بحوارات مع قيادات الحزب، كما دفع أيضا ثمن محاولته تحسين صورة الإخوان، خلال فترة حكمهم.
أضاف أن بعض نواب البرلمان استطاعوا تعيين أبناء دوائرهم فى ماسبيرو، وخلق صفوت الشريف، وزير الإعلام ورئيس مجلس الشورى وأمين عام الحزب الوطنى الأسبق، نوعا من المصاهرة بين أعضاء مجلس الشعب والعاملين فى التليفزيون، حتى تحول المبنى إلى «سبوبة» ومؤسسة اجتماعية، نتيجة السياسات الخاطئة. وتابع أن هناك عددا من الأخطاء الفادحة فى إدارة ماسبيرو، منها عدم تطبيق سياسة الثواب والعقاب، فمن يعمل كمن لا يعمل، كما أن الكوادر المالية التى يحصل عليها أبناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون كبيرة عن باقى موظفى الدولة، وحجم العمل لا يوازى الرواتب والأجور المتغيرة للعاملين الذين يلتهمون 220 مليون جنيه شهريا من الدولة.
وأشار إلى من بين أخطاء ماسبيرو، مقارنة بالسوق، وجود أكثر من 90 مخرجا فى قطاع الأخبار، بينما نشاهد نشرة الأخبار فقيرة من الناحية الفنية، والمواد المصورة منقولة عن الوكالات العالمية، متسائلا: «ماذا يفعل هذا الكم الكبير من المخرجين؟»، وأوضح أن هناك عددا كبيرا من الموظفين مجرد أسماء تتقاضى رواتبها فقط، ولا يؤدون أى دور، والأغلبية العظمى من العاملين حصلت على درجة «موظف كبير»، وهؤلاء لا يعملون مثل الشباب الصغير.
وذكر العالم أن بيئة العمل فى ماسبيرو لا تصلح للإبداع الإعلامى، خاصة أن مؤهلات الكثير من العاملين دبلومات ومعاهد فنية، وبعض من حصلوا على شهادات من التعليم مفتوح تغيرت مسمياتهم الوظيفية، وتكدست بهم إدارات كثيرة، كما لا يوجد تدريب حقيقى للعاملين، ومعهد الإذاعة والتليفزيون وجوده «شكلى»، مشيرا إلى أن الدولة مترددة فى التأسيس القانونى لتنظيم وإدارة ماسبيرو، ولم تشكل حتى الآن المجلس الوطنى للإعلام، الذى تنص عليه المادة 211 من الدستور الجديد.
وأوضح العالم أن بخلاف العمالة الزائدة فى ماسبيرو، والتى تشكل عبئا على ميزانيته، فإن المشروعات التى تم إنشاؤها لتدر دخلا على المبنى، خسرت هى الأخرى، ومنها مدينة الإنتاج الإعلامى، وصوت القاهرة، وقطاع الإنتاج، وشركة cne الفضائية، وشركة الكيبل، والنايل سات، وحصة التليفزيون فى قناتى المحور ودريم، أصبحت عبئا على تليفزيون الدولة بدلا من المساهمة فى مساعدته على وقف الخسارة، وهذا لأن التعيين فى تلك الشركات يتم عن طريق المجاملات، فضلا عن الرواتب والعمولات الضخمة فيها.
وأرجع أستاذ الإعلام هروب المعلنين من ماسبيرو إلى أنه يعمل بمنطق «ضجيج بلا طحين»، ولذا هجرته الإعلانات ومن ثم المشاهد.
وحول روشتة علاج الأخطاء التى أدت بماسبيرو إلى حاله القائم، قال العالم إنها تتمثل فى التخطيط الاقتصادى للإدارة، وخاصة الإعلانات، والاستفادة من جميع الكوادر، وأن يتعايش رؤساء القطاعات مع الأزمات الحقيقية التى يعانى منها المبنى، وألا يكتفون بالجلوس فى المكاتب متفرغين لحل المشاكل الشخصية بين العاملين، وإلغاء القنوات الإقليمية لما تمثله من عبء مادى على ميزانية التليفزيون، ولعدم الحاجة إليها فى ظل عصر السموات المفتوحة، وكذلك الإذاعات المحلية التى لا أحد يسمعها.
فى السياق نفسه، قال الدكتور فاروق أبوزيد، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، إن بقاء التليفزيون تحت عباءة الدولة منذ 60 عاما جعله يفتقد القدرة على التطور، ولن يكون «ماسبيرو» مستقلا إلا إذا تم تشكيل الهيئة العامة للإذاعة والتليفزيون التى نص عليها الدستور، ليكون معبرا عن كل طوائف الشعب المصرى، مشيرا إلى أن التليفزيون المصرى غير قادر على منافسة الفضائيات الخاصة، لأن وزراء الإعلام المتعاقبين كبلوا المبنى بقوانين وقرارات مختلفة، جعلته غير قادر على المنافسة، وما زاد الأمر سوءا هو تحالف أصحاب الوكالات الإعلانية مع الفضائيات ضد مصلحة ماسبيرو، وتم سحب الإعلانات منه، خاصة فى ظل مرونة أسعار الإعلانات فى الفضائيات الخاصة، وثباتها فى ماسبيرو.
أضاف: «كى تصنع إعلاما قويا يجب أن يخرج من عباءة الحكومة، وهذا ما يحدث فى كل الدول الديمقراطية فى غرب أوروبا وفرنسا وإنجلترا»، لافتا إلى أن إشراف الحكومة على ماسبيرو تسبب فى فقدان مصداقيته، مشيرا إلى أن هيكلته أو تطويره من اختصاصات مجلس النواب المقبل، وليس رئيس الدولة أو رئيس مجلس الوزراء.
ماسبيرو نموذجاً.. «البيروقراطية» تخنق «بوق الحكومة»