لعقود طويلة ظل المشرق العربى، ودوله مثل مصر والعراق وسوريا، هو مركز الثقل والقيادة فى العالم العربى.
البعض يرى أننا نشهد اليوم ظاهرة جديدة تتمثل فى تحول للقوة Power Shift من المشرق للخليج العربى. فسوريا تنهار والعراق تتمزق ومصر فى مرحلة نقاهة بعد الوعكة التى ألمت بها منذ 2011. فى المقابل هناك تصاعد للدور السعودى والإماراتى والمنظومة الخليجية بشكل عام.
القوة الخليجية لم تعد مقصورة على الثروة المالية، والتى تستخدم لتقديم المعونات وتمويل أدوات القوى الناعمة من صحف وقنوات تليفزيونية. ولكنها امتدت للقوة العسكرية والدبلوماسية.
دول الخليج تملك الآن ترسانة عسكرية هائلة ومتقدمة، فالسعودية لديها واحد من أقوى جيوش المنطقة من حيث العدد والعتاد. ووسائل الإعلام الغربية تتحدث عن أن الإمارات تملك إحدى أفضل القوات الجوية فى العالم من حيث التسليح والتدريب، والتى استخدمت بنجاح فى أفغانستان والعراق وليبيا واليمن، وقواتها المسلحة تتدرب بنفس مقدار وكثافة الجيش الأمريكى، ووصفت بأنها «إسبرطة الصغيرة». دول الخليج أصبح لديها الثقة فى قدراتها العسكرية، والإرادة المستقلة فى استخدامها ودون الحاجة للغير، أو الاستئذان والتنسيق مع الولايات المتحدة. شهدنا ذلك فى دخول قوات درع الجزيرة للبحرين عام 2011، ونشهده اليوم فى العمل العسكرى فى اليمن.
دول الخليج تتخلى أيضا عن هدوئها الدبلوماسى، وأصبحت تتبنى سياسة خارجية نشطة، وتقترح المبادرات وتشكل التحالفات فى إطار رؤية واضحة لأمنها القومى. ونشهد اليوم الدور القيادى الذى تلعبه المملكة السعودية فى الساحة الإقليمية، حتى إن البعض أصبح يتحدث عن «اللحظة السعودية بالمنطقة». السعودية تقود تحالف عاصفة الحزم/ إعادة الأمل، وتسعى لبناء تحالف أكبر يضم تركيا لمواجهة إيران ونظام بشار الأسد فى سوريا.
خليج اليوم ليس خليج الأمس، وهذا الوضع له دلالات كثيرة، أهمها:
1- علينا فى مصر أن ندرك الحقائق الجديدة فى الخليج، وأن نتعامل مع دوله فى إطار شراكة تقوم على الاحترام المتبادل وتعظيم المصالح المشتركة، وأن الرؤية من الخليج قد تتباين أحيانا عن الرؤية من النيل، وأن الحوار الدبلوماسى الهادئ هو أفضل وسيلة للتعامل مع الاختلاف فى وجهات النظر.
2- على دول الخليج أن تدرك أنه ليس هناك بديل أو نظير لمصر كحليف على استعداد للوقوف معها فى وقت الشدائد، وأن الخيار المصرى هو الأقرب والأسرع والأكثر ديمومة واستقرارا للخليج.
3- إن التعاون بين مصر والخليج يحقق نتائج فى مصلحة الطرفين ومصلحة المنطقة، كما فى مبادرة إنشاء القوة العربية المشتركة، وكذلك الحوار المصرى السعودى الذى أدى لتبنى حل وسط بشأن سوريا يقوم على أنه لا مكان لبشار الأسد فى مستقبل البلاد ولكن من المهم التوصل لحل سياسى يحافظ على المؤسسات العسكرية والمدنية هناك.
4- وأخيرا، لابد من تنشيط الدور المصرى وتبنى مبادرات للتعامل مع قضايا المنطقة، وألا تؤدى العلاقة مع الخليج إلى فرض قيود على هذا الدور.
قوة مصر تكمل قوة الخليج، وقوة الخليج إضافة لقوة مصر، والشراكة بين الطرفين يمكن أن تقود المنطقة لمستقبل أفضل.