x

جمال طه تهديدات «داعش».. وقمة جبل الجليد جمال طه الأحد 07-06-2015 21:37


منذ أن بدأت «العملية نسر»، ثم «سيناء الكبرى»، مروراً بـ«صيد الأفاعى»، وقواتنا تضبط ضمن الجماعات التكفيرية والجهادية عشرات السوريين، الفلسطينيين، اليمنيين، الباكستانيين، الأفغان، والأفارقة.. الخبراء والمسؤولون يبشرون بالقضاء على الإرهاب، مؤسس فرقة القوات الخاصة «777» قدر أن الجيش قضى على 90% من البؤر، رئيس الوزراء ومساعد وزير الداخلية للعمليات الخاصة رفعا النسبة لـ95%، ووزير الداخلية السابق قفز بها لـ99%، لكن الإرهاب مستمر، بل يتطور، ويتمدد للدلتا والصعيد.. الرؤية فى مكافحة الإرهاب تفوق الخطط والإجراءات أهمية، فهل يدرك الرئيس أن هناك غياباً للرؤية، وأننا لا نرى سوى قمة جبل الجليد؟!

نتعرض لحرب فعلية دون أن ندرك عمق التنسيق بين الأعداء، لذلك لا نقدر حجم الخطر، ولا احتمالاته المستقبلية.. «داعش» ينفذ استراتيجية «إدارة التوحش»، التى تضمنها كتاب- بنفس العنوان- ألَّفه عضو «القاعدة» محمد خليل حكايمة، القيادى بالجماعة الإسلامية، قبل قتله بطائرة دون طيار بأفغانستان.. وأمريكا تنفذ استراتيجية «الفوضى الخلاقة».. ليس صدفة تزامن صدور الكتاب، مع إعلان كوندوليزا رايس عن استراتيجيتها أوائل 2005.. «أبوبكر البغدادى» أنهى عام 2009 تدريباته ضمن 2000 مقاتل خرَّجتهم المعسكرات الأمريكية التى افتتحت بالأردن 2006، لإعداد الكوادر التى ستنفذ تلك الإستراتيجية.. فى إبريل 2010 شارك فى اجتماع قادة «الدولة الإسلامية بالعراق» بجماعة «جيش أبوبكر الصديق» السلفى للاتفاق على ضمها للتنظيم، غادر مقر الاجتماع بمدينة الثرثار محافظة الأنبار بعد انتهائه، لتقصفه الطائرات الأمريكية، فتقتل أبوعُمر البغدادى قائد التنظيم آنذاك ونائبه أبوحمزة المهاجر، لتفسح له طريق القيادة!! الاستراتيجيتان.. «إدارة التوحش» و«الفوضى الخلاقة».. تكاد أهدافهما تتطابق.. إضعاف الدول الوطنية بالمنطقة، تفكيك الجيوش، ضرب الاقتصاد، اختراق المؤسسات، نشر البلبلة والصراع المجتمعى، بإشاعة السيولة الإعلامية بالفضائيات ووسائل الاتصال الاجتماعى.. الفارق الوحيد بينهما أن «داعش» يسعى فى مرحلة «النكاية والإنهاك» لنشر الفوضى والتوحش، ثم يسعى لإدارتها تمكيناً للمشروع «الإسلامى»، بينما تراهن أمريكا على انتهاء الفوضى بانتصار قيم الديمقراطية والحرية.. ذلك هو الإطار العام للرؤية الاستراتيجية للمأساة التى نعاصرها.

مصر لها وضع خاص.. دولة مركزية قوية، والجيش هو العمود الفقرى لوحدتها، لذلك اعتمدت أمريكا على الإخوان لتفكيكه من داخل السلطة، وعندما استشعرت احتدام المواجهة بينهما، أوفدت «يناير 2013» مايكل فيجرز وكيل وزارة الدفاع للمخابرات، مؤسس «القاعدة»، والمشرف على معسكرات التدريب بالأردن، إلى القاهرة لتقييم الموقف، بحجة بحث الدعم المطلوب لمواجهة إرهاب سيناء!!.. أدرك أن الإخوان ليسوا مطلقى اليد فى السلطة، لأن الجيش تولى زمام الأمور بسيناء، ويرفض مشاركة أمريكا أو إسرائيل فى تأمينها، ما يعنى ضرورة اعتماد المخطط على القوة البديلة.. «داعش».

تهديد «داعش» الرئيسى لمصر والمنطقة يأتى من ليبيا، لتوافر البيئة الحاضنة، والمنابع الخصبة لتجنيد المرتزقة المحترفين.. أولها «الحرس الثورى».. يبلغ 3000 عنصر، تولى مسؤولية الحراسة الشخصية للقذافى، والميليشيات التابعة لأبنائه، ولعل ذلك يفسر سقوط «سرت» مسقط رأس العقيد، كأول مدينة تخضع بصورة كاملة لسلطة «داعش».. ثانيها «الفيلق الأفريقى».. يضم 3000 مقاتل اختارتهم الفروع الـ22 لشركة «تايم أويل» النفطية بأفريقيا برئاسة إبراهيم القذافى، وعبدالله السنوسى مسؤول المخابرات، وفق مواصفات شخصية خاصة، ما يفسر الأجسام العملاقة لعناصر «داعش» التى قامت بذبح المصريين فى سرت، تم تجنيسهم بالليبية لتجنب وصفهم بالمرتزقة، ما أثار حفيظة مصطفى عبدالجليل رئيس المجلس الانتقالى السابق، عندما كان وزيراً للعدل، كما تسبب فى انقلاب بعض القبائل على القذافى، وانتشار السخط الداخلى، نتيجة لتجاوزاتهم.. ثالثها «ميليشيات الرئيس بن على» وبعض الخارجين على القانون، الذين هربوا من تونس بعد الثورة، واستعان بهم القذافى لمواجهة المعارضة.. رابعها عناصر «شركات الأمن الخاصة» التى تعرض خدماتها الأمنية والعسكرية بالمقابل المادى، وقد تزايدت أنشطتها بأفريقيا نتيجة لضغوط الجهات المانحة، لتقليص الميزانيات العسكرية وتقليل حجم الجيوش.. خامسها «العناصر الإخوانية والتكفيرية الهاربة» من مصر منذ سقوط الإخوان.

مصادر إمداد داعش بالرجال خارج ليبيا عديدة.. أهمها العناصر التى جندتها شركة «بلاك ووتر» الأمنية الخاصة إبان عملها بالعراق منذ 2003، والذين تجاوزوا 150 ألفاً، الحكومة العراقية أنهت عملها، بعد ما ارتكبته من جرائم قتل وتعذيب أدانتها المحاكم الأمريكية، وآخرها قتل 14 مدنياً بساحة النسور ببغداد سبتمبر 2007، وثائق «ويكيليكس» كشفت أن موظفيها واصلوا العمل لحساب شركات أخرى، الشركة غيرت اسمها لـ«ذى»، ثم «أكاديمى» قبل الاندماج مع «تريبل كانوبى» وتشكيل «كونستيليس هولدينغز»، تسعى حالياً للعودة، ودفع عناصرها للعمل كمستشارين للحكومتين الأمريكية والعراقية فى حرب تحرير الأنبار ونينوى، رغم أن أعداداً كبيرة منهم تقاتل بالفعل ضمن صفوف «داعش»!!.

شركات المرتزقة بالعالم تقدر بالمئات، يقودها جنرالات سابقون، تعتمد على العسكريين المتقاعدين من القوات الخاصة والمخابرات، أمريكا بها 35 شركة، حجم تعاقدات البنتاجون معها 300 مليار دولار سنوياً، تستخدم نحو 700 ألف مرتزق، حجم أعمالها بالعراق بلغ 100 مليار دولار، عدد أفرادها بأفغانستان وصل 185 ألفاً، شاركت فى ثورات «الربيع العربى» بتدريب النشطاء على قيادة التظاهرات والشغب والعصيان المدنى، إيريك برنس، رئيس بلاك ووتر السابق، اعترف بممارسة أنشطة خاصة بمصر، شبكة NBC الأمريكية أكدت أن عناصر الشركة أنقذت مارى ثورنسرى الممرضة الأمريكية المتقاعدة التى حبست نفسها بشقتها المطلة على التحرير خوفاً من اشتعال الميدان إبان الثورة، وزير الداخلية الأسبق محمود وجدى أكد أن التسجيلات كشفت أن قناصة الجامعة الأمريكية كانوا من الأجانب، وعناصر الشركة تسلموا 22 سيارة من جراج السفارة الأمريكية ليلة 28 يناير 2011، وفق شهادة العقيد عمرو الرجيلى، قائد قوات التأمين، دهسوا الثوار بالقصر العينى للإثارة، وتابعوا أحداث الثورة بالمحافظات.. التنظيم الدولى للإخوان أجرى اتصالات مع شركة «بلاك إيرس» الشريك السابق لـ«بلاك ووتر» لتنفيذ اغتيالات بمصر.. وجارٍ إنشاء شركة أمريكية تركية تضم ممثلين عن «بلاك ووتر» ورجال أعمال «إخوان» مقربين لأردوغان، لإعداد مقاتلين لدفعهم لسوريا، وعينهم على مصر.

المصريون من أهم الجنسيات ثقلاً بـ«داعش».. وزير حرب ونائب أول سابق لرئيس التنظيم «أبوحمزة»، ثلاثة بمجلس الشورى، قاض بالمحكمة الشرعية، أبوكمال الكنانى مسؤول المعابر والدعم التقنى المختص بتسفير المصريين لإلحاقهم بالتنظيم، كشف أنهم 15 ألف مقاتل، و55 ألف مقيم بمناطقهم بالعراق وليبيا وسوريا، البداية كانت من أعضاء جماعة «حازمون»، ثم زادت تدفقات العناصر الإخوانية الهاربة، تقديره للمقاتلين مبالغ فيه، ولكن المقيمين هم الأخطر، فقد تعايشوا مع التطرف، وأصبح مصدراً لرزقهم، وعندما تسقط سوريا سيشاركونهم نقل المعركة الرئيسية للساحة المصرية.

العمليات الإرهابية التى نتعرض لها حالياً تستهدف استنزاف الجيش المصرى، على النحو الذى يضعفه، ويمس قدرته على مواجهتهم، عندما تبدأ المعركة الفاصلة، لذلك ينبغى إعفاؤه من التورط الراهن فى المعارك، وتفرغه لتأمين الحدود، ومنع التسلل أو الهجمات المحتملة، والاستعداد لما هو قادم.. كمرحلة أولى تتولى قوات الشرطة مسؤولية المواجهات اليومية، بعد تعزيزها بخبراء التدريب وإدارة العمليات الخاصة، وكذا بالتشكيلات العسكرية اللازمة لاستكمال قدرتها على المواجهة.. على أن تُدرج خطة إنشاء «قوات للدرك الوطنى» ضمن خطة الأمن القومى للدولة، أسوة بمعظم دول العالم، بحيث تقتصر مهام الشرطة على المناطق الحضرية، بينما يتولى الدرك المسؤولية خارجها.. الجيش المصرى هو المستهدف، وحمايته تكفل أمن الوطن، ووحدة أراضيه، فى مواجهة التهديدات المحتملة.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية