x

أحمد الشهاوي ولم يصح منها حرفٌ واحدٌ أحمد الشهاوي السبت 06-06-2015 21:29


ليقُل القائل ما يشاء، وليُفت المُفتى ما يريد، وليستند السلفى أو غيره إلى الصحابة أو التابعين أو الأسلاف من العلماء والفُقهاء والأئمة كما يرغب ويريد، لأنه كما قال الإمام ابن حزم الأندلسى (30 من رمضان 384 هـ / 7 من نوفمبر 994م. - 28 شعبان 456 هـ / 15 أغسطس 1064م): «لا حُجَّة لأحدٍ دون رسول الله صلى الله عليه وسلم».

فكيف يرى أحدهم أن «لهو الحديث» فى الآية السادسة من سورة لقمان (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ) هو الغِناء، ولا أدرى كيف فسَّر المُفسرون قول الله سبحانه وتعالى بأن المعنى المقصُود من لهو الحديث هو الغناء، وأنَّ فُلانًا أو علانًا قد قال بذلك، بمعنى أنه تم تأويل ما لا يحتاج إلى شرحٍ أو تفسير أو تأويلٍ؛ نظرًا لوضُوح المعنى وجلائه، ولو عُدنا إلى ابن القيِّم الجوزية (691 هـ - 751 هـ / 1292م - 1349م) لوجدناه يذكر صراحةً أن المقصود من الآية ليس ذم المغنى، ولكن «من استبدل لهو الحديث بالقرآن ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا، وإذا يُتلى عليه القرآن ولَّى مستكبرًا، كأنه لم يسمعه...».

ومن ثم علينا أن نستبعد أن المقصود من الآية هو ذم المُشتغلين بالموسيقى والغناء .

وهناك بعض من الذين يُحرِّمونَ الغناء يتعمَّدُون الانحراف فى تفسير الآية عن مقصدها الذى قصده الله تعالى، فاللغو ليس هو الغناء أبدا، لا فى اللغة، ولا فى الآية القرآنية (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه)، إذْ اللغو لغةً هو الكلام الذى لا فائدة ولا جدوى منه، والتافه الذى لا يُعتد به، ولا نفع فيه، أى سقط المتاع.

وللإمام ابن حزم الأندلسى قول مهم جاء فى مُصنَّفِه (المُحلَّى فى شرح المجلى بالحجج والآثار)، فى سياق الذين يُحرِّمُون الغناء، ويُكفِّرون المُغنى ومن يستمع إليه «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّما الأَعمالُ بالنِّيَّات، وإِنَّمَا لِكُلِّ امرئٍ مَا نَوَى...)، فمن نوى باستماع الغناء عونًا على معصية الله تعالى فهو فاسقٌ، وكذلك كل شىء غير الغناء، ومن نوى به ترويح نفسه ليقوى بذلك على طاعة الله عز وجل، ويُنشِّط نفسه بذلك على البر فهو مُطيعٌ محسن، وفعله هذا من الحق، ومن لم ينو طاعة ولا معصية فهو لغوٌ معفو عنه، كخروج الإنسان إلى بستان مُتنزهًا، وقعوده على باب داره مُتفرجًا، وصبغه ثوبه لازورديًا أو أخضر أو غير ذلك، ومد ساقه وقبضها وسائر أفعاله».

ومن يقرأ كُتب بعض أهل السلف من السابقين، ومن تبعهم بعد ذلك، ومن جاء بعدهم، ومن تتلمذ على ما تركوا من كتبٍ ورسائل ومصنَّفات، سيجد تفسيراتٍ لا يُمكن للعقل أن يدركها أو يستسيغها أو يصدقها أو يستوعبها، إذ كيف لى – مثلا – أن أقبل أن كلمة «الزُور» فى الآية القرآنية (والذين لا يشهدون الزور) هى الغناء، مع أن كثيرين قالوا إن المقصود بها هو الشرك أو الكذب أو الضلال، أو الانحراف، وعبادة الأصنام، والفقهاء يقولون إن القاعدة واضحة ولا لبس فيها وهى (أن الدليل إذا تطرَّق إليه الاحتمال، سقط به الاستدلال).

وهناك من قال من الذين يحرِّمون الغناء إنَّ «سامدون» فى الآيات 59 و60 و61 من سورة النجم (أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ، وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ، وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ)، المقصُود بها الغناء، رغم أن القرآن الكريم خالٍ تمامًا من تحريم الغناء، ولا تُوجد به آيةٌ واحدةٌ تُحَرِّم وتمنعُ.

والإمام أبوحامد الغزالى (450 هـ - 505 هـ / 1058م - 1111م) له قولٌ فصْلٌ فى كتابه الأساسى والأشهر «إحياء علوم الدين»: ينبغى أن يحرم الضحك وعدم البكاء أيضا، لأن الآية تشتمل عليه، فى قوله (وتضحكون ولا تبكون)، إذْ سامدون تعنى: لاهون، مُعرضُون، متكبرون، خامدون، ولم يقصد بها أبدًا الغناء.

وإذا ذهبنا إلى الإمام البخارى، فلن نجد بابًا فى كتابه يُحرِّم الغناء، وما الحديث الذى جاء به فى «صحيحه»، ويستند إليه بعض السلف «ليكونن قومٌ من أمَّتى يستحلُّون الحِرَّ والحريرَ والخمرَ والمعازفَ»، ذكر أئمةٌ كثيرون أنه حديثٌ لا سندَ له ومضطرب، وضعيف، وإذا عُدنا إلى كتاب «فقه الغناء والموسيقى فى ضوء القرآن والسنَّة» الطبعة السابعة 2012 ميلادية – مكتبة وهبة، القاهرة، للدكتور يوسف القرضاوى ومن المفترض أنه حُجَّةٌ لدى السلفيين والإخوان معا، وهو واحدٌ منهم، بل من كبارهم، نراه يشير إلى أحاديث ذكرها بعضُ السلف، والتى يستند إليها المعاصرون لنا بأنها تُحَرِّم الغناء، ويصفها بأنها مجهولة، ولا سند لها، ومعلُولة، وغريبة.

وممَّا يُؤسف له أنَّ هناك أقوالا لبعض الصحابة أو التابعين، يتم التعاملُ معها على أنها أحاديث صحيحة للرسول صلى الله عليه وسلم.

والخُلاصة كما يقول الدكتور يوسف القرضاوى – وأنا هنا أعود إليه، لأنه أهل ثقةٍ ومحل تقديرٍ لأهل السلف فى مصر وغير مصر، الذين لهم فى كل يوم فتوى عجيبة - «أن الأحاديث التى استدلَّ بها القائلون بالتحريم، إما صحيح غير صريح، أو صريح غير صحيح، ولم يسلم منها حديثٌ صريحٌ واحدٌ مرفُوعٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلح دليلاً للتحريم، وكل أحاديثهم ضعَّفَها جماعة من الظاهرية والمالكية والحنابلة والشافعية».

ولا يعنى لى أو لغيرى كوْن ابن القيِّم (تلميذ ابن تيمية) يُحرِّم الغناء، أن آخذَ بقوله، وأنصاعَ، وأؤمنَ عليه كأنه نصٌّ مُنَّزلٌ، أو أن الرجل يُوحَى إليه، وأتعجبُ من أن كثيرين يتعاملون مع كتبه على أنها مُنزَّهةٌ من كل عيبٍ، وأن ما جاء فيها صحيح على إطلاقه، خُصُوصًا كتابه «كشف الغطاء فى مسألة الغناء».

وعلى الرغم من أنَّ القرضاوى – باعترافه – تلميذٌ نجيبٌ تخرَّج فى مدرسة ابن القيم وشيخه ابن تيمية، فإنه يخرج شاهرًا سيف حُجَّته، رافضًا تحريمه للغناء: «وكان ابن القيم فى هذا واعظًا أكثر منه فقيهًا، وقد حاول أن يقوى الضعيف، ويُضعف القوى، ويصل المقطوع، ويرفع الموقوف، ويستدل بالمحتملات».

ولا أحد يشكِّكُ فى أنه لا عصمة لأحدٍ دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية