مسرعاً.. متعجلاً.. ملهوفاً.. انطلقت نحو مستشفى الدكتور شريف بالمنيل لاستقبال ولى العهد ابنى محمود.. صحيح أن عندنا بنتاً جميلة.. ندللها وتدللنا.. وصحيح أننى أنا بالذات متهم بالإفراط فى التدليل.. وصحيح أننى كثيراً ما صرحت شفاهة وكتابة بأننى ضد أى نوع من أنواع التفرقة بين الذكر والأنثى.. تلك النظرة الليبرالية الحضارية التى انهارت فجأة بداخلى وأنا ذاهب لأستقبل محمود فى اللحظة التى سيصل فيها إلى الدنيا هذا الذكر الذى له مثل حظ الأنثيين.. الوريث الذى سيلهف بهذا الوصول المفاجئ ضعف ما كان بين يدى ابنتنا التى كانت وحيدة ولم تصبح كذلك.. ها قد أتى من سيشكمكما.. أنت وأمك.
فوق الكوبرى.. كانت هناك لوحة رقمية.. تبين للمواطن المصرى تعداد السكان الذى يتغير كل 27 ثانية.. نظرت نحوها.. كان تعدادنا قد بلغ ثمانية وثمانين مليوناً وسبعمائة وأربعة وستين ألفا وخمسمائة واثنتين وسبعين نسمة.. وابتسمت فى فخر.. فقد أصبح لى الشرف أنا ومحمود فى أن يكون لنا صوت جديد فى مكلمة الوطن.. بعد نصف ساعة وقفتها فى الإشارة.. كان تعدادنا قد بلغ ثمانية وثمانين مليوناً وسبعمائة وأربعة وستين ألفاً وستمائة وأربعين.. هكذا يبدو أن محمود جاء فى يوم مزدحم جداً.
لابد أننا شعب سعيد.. لاشك فى ذلك.. مهما كانت صور المعاناة والعذاب والقهر.. إلا أن تكاثرنا بهذه الصورة المذهلة يؤكد أننا شعب سعيد.. وإلا إذا كان تعدادنا يزيد بهذه الصورة المليونية ونحن تعساء.. فماذا سيحدث- لا قدر الله- لو حلت مشاكلنا وصرنا سعداء فعلاً؟.. لن يصبح أمامنا من حل سوى احتلال الدول المجاورة وبناء مستوطنات لتوطين أولادنا فيها.. هذه الأفكار الاستعمارية جالت بخاطرى وأنا واقف فى الإشارة التى لا تتحرك.. وربما كان باعثها أيضاً أننى ذاهب لكى ألقى أول نظرة على (حودة) الذكر الذى سيعدل كفتنا فى البيت الذى به أغلبية نسائية متمثلة فى البنت وأمها، وبعد أن تأكد لى أنهما كانتا تقومان بابتزازى والتحايل علىّ بطرق عاطفية رخيصة من العناق والقبلات.. ولا أعرف حتى الآن كيف استجبت لهما.. وافتح دولاب أختك يا محمود لترى كم اللعب والملابس والعرائس التى دفعت دم قلبى فيها.. لتعرف يا بنى أنك جئت فى الوقت المناسب.. لكى تنتشل أبوك من هذه المؤامرة.. وتحافظ على ماله الذى صار مالك أنت بالطبع يابو حنفى.
حينما دخلت الحجرة التى فيها أم محمود.. قالت لى حماتى: مبروك.. محمود وصل.. وهوه دلوقت تحت فى الحضّانة.. وبرد فعل طبيعى لرجل شرقى يدعى أنه ليبرالى قلت لها: هى فين الحضّانة؟!. ولما لاحظت حماتى بفراسة أنثوية أننى لم أسأل عن صحة أم محمود.. أو أطمئن على ابنتها.. قالت بحنكة: وما تقلقش مراتك كويسة زى الفل.. ولما كانت أجابتها على سؤال لم أسأله.. فقد قررت أن أسأله حتى لا يؤخذ ضدى بعد ذلك فى أى خناقة قريبة.. وسألتها: المهم هى عاملة إيه؟. هكذا حتى أثبت السؤال فى المضبطة.
وجريت إلى الحضّانة مهرولاً.. مهبولاً فى حالة تجمع بين إحساس الرجل الشرقى- الذى يدعى أنه ليبرالى- وبين إحساس الإنسان الأول.. وقليل من مشاعر الهنود الحمر حينما ينتصرون فى موقعة على الرجل الأبيض.. لم يكن قد مر على مجيئه للدنيا سوى خمس دقائق.. نائماً على سريره الصغير فى الحضانة.. وبجواره أكثر من عشرين سريرا أخرى لأطفال من نفس الدفعة، جاءوا لتوهم إلى الدنيا.. وتذكرت لوحة التعداد المعلقة فوق الكوبرى.. لابد أنها الآن قد كتبت رقماً جديداً.. نظرت نحوه وقد تضاربت بداخلى مشاعر كثيرة.. وهتفت به بصوت هامس تعمدت أن يكون خشناً قليلاً حتى يتناسب مع لقاء بين ذكرين.
- حمد الله ع السلامة يا حودة.
فتح محمود عينيه.. وأخذ ينظر نحوى دون أن يحدد تماماً مشاعره تجاهى.. فهذا أول حوار يجريه فى الدنيا.. وأنا أول من يحاوره.. فلابد له أن يتوجس.
- أنا أبوك يابو حنفى.. كنت متخيل شكلى كده ولا حاجة تانية؟.. أنا إسمى يوسف.. يوسف معاطى.. والاسم ده لازم تفتكره كويس يا حودة علشان ح ينفعك فى مستقبلك وإنت رايح تطلع بطاقة.. وإنت بتكتبه قبل رقم الجلوس على ورقة الامتحان.. لو ظابط قفشك فى لجنة.. وقال لك إسمك إيه ياله؟ وأنا يا سيدى عندى 45 سنة.. وباشتغل كاتب.. والحمد لله أهى ماشيه.. مستورة.. وإلا ماكناش قدرنا نجيبك فى مستشفى خاص فى المنيل وأمك تقعد فى سويت.. ويقطموا وسطى فى الفاتورة.
أدار محمود وجهه وكأنه لا يريد أن يسمعنى.. أو زهق من حديثى.. أبهذه السرعة تزهق يا محمود وتمل من حديث أبوك؟.. ده إحنا لسه بنقول يا هادى.. إنت زعلت علشان يعنى باتكلم على الفاتورة والمصاريف؟.. العفو يا حودة.. ده مالك.. هوه أنا ليا حاجة.. معقول أنا أعايرك من أولها كده.. أنا أصلى حسيت ببصة فيها سخرية منك لما قلت لك إنى باشتغل كاتب!. وبصراحة مش ح نبتديها كده يا محمود.. أنا ح ألاقيها منك ولا من النقاد؟!. آه.. سورى.. أنت لا تعرف من النقاد؟ النقاد دول يا محمود ناس مثقفين جداً وبيشتمونى كل يوم فى الجرايد والمجلات.. أنا بس حبيت أديك فكرة من الأول عشان ماتتصدمش لما تكبر.. علشان كده أنا عاوزك لما تكبر إن شاء الله على قد ما تقدر إكره النقاد.
- والله شبهك بالظبط يا أستاذ يوسف.. حتة منك.. المناخير.. البُق.. العينين.
- دى عنايات الممرضة اللى جابتنى علشان أشوفك يا محمود.. والعشر كلمات اللى قالتهم دول ح تاخد فيهم خمسين جنيه.. مع إنها ما بذلتش أى مجهود فى إنك تطلع شبهى، إنما ده نظامنا هنا يا حودة فى الدنيا علشان تبأه عارف.. أى كلمة حلوة بتتقال لازم تدفع تمنها.. الممرضة اللى فوق قالت لى يتربى فى عزك.. أخدت عشرين جنيه.. والراجل بتاع الأسانسير وأنا نازل لك قال لى عقبال ما تشوف ولاد ولاده.. ولهف له عشراية.. معلش يا حودة.. بكره ح تكبر وتتعود ع الحاجات دى.
- أحب بأه يا حودة أعرفك ببقية العصابة اللى إنت ح تعيش معاها.. نبدأ بالست اللى إنت نزلت منها دى اللى هى أمك.. ح يطلعوك بعد شوية علشان ترضع منها.. هى بتعمل لبن حلو قوى.. ح يعجبك.. وح تحبه قوى.. إنما أحب أفهمك طبعها من الأول علشان مايحصلش أى صدام بينك وبينها.. هى طيبة وبتحبك طبعاً.. إنما عصبية قوى.. وح تتخنق منك كتير وح تشخط فيك.. وممكن تمد إيديها عليك.. أنا مش بأوقع بينكوا يا حودة.. إنما عاوزك بس تبأه عامل حسابك.. إحنا ح نعتمد عليها شوية فى الأول فى مسألة الأكل عشان كده لازم نستحملها بقدر الإمكان لحد ما تتفطم.. وبعد كده يا معلم خلصت حاجتى من عند جارتى.. بالنسبة للفترة الأولانية يا حودة.. من حقك تعملها على روحك فى أى وقت ولا يعيبك إطلاقاً إنك تعمل حاجة زى دى ولا ينتقص من قدرك.. ومش عاوز الموضوع ده يأزمك نفسياً.. الدنيا إتغيرت دلوقت.. فيه بامبرز.. تلبسه وتقلعه ويترمى ولا يهمك.. ماكانش ده على أيامنا خالص.
- إن شاء الله يا محمود لما تخرج من هنا.. ونروح البيت.. أنا ح أسيب أوضة النوم وح أنام فى الصالة.. لا.. مش موقف منك يا حودة.. أصل إنت لازم تنام جنب مامتك وح تقعد تزن طول الليل وتعيط من غير أى مبرر.. وأنا لازم أنام علشان أقوم أشتغل.. مش قلت لحضرتك إن أنا باشتغل كاتب؟!.
أنا مش عارف إيه اللى بيضحكك كل ما أقولك إن أنا كاتب يا محمود.. تكونش أمك وهى حامل فيك كانت بتقرا المقالات اللى النقاد بيشتمونى فيها؟!.
عموماً أكمل لك بقية العصابة.. إنت ليك أخت يا محمود أكبر منك بتسع سنين.. بتحب هانا مونتانا وطول النهار قاعدة تتفرج على الكارتون وخاربة بيتى طلبات.. وأنا عاوزك بأه إنت اللى تشكمها يا محمود علشان أنا بأضعف قدامها شوية.. بقالها 9 سنين عمالة تتدلع عليه وتبوس فيا وتحضن فيا.. وفى الآخر بتنفذ اللى فى دماغها.. هى طبعاً من ساعة ما عرفت إنك جاى وابتدت تقلق وعماله تسألنى أسئلة خبيثة.
- هو إنتوا ح تحبوا محمود أكتر منى يا بابى؟!
- يا بنتى إهمدى.. ما كلكوا ولادنا.
- يعنى مش ح تجيب لى لعب تانى وح تجيب لمحمود؟
شفت ابتزاز أكتر من كده يا محمود؟.. وأمها تاخدنى على جنب وتقول لى أنا خايفة البنت تتأثر نفسياً.. حاول تراضيها كده وتقرب منها أكتر.
والله يا حودة مية جنيه ما بيكفوها مراضية.. شوف هى أختك أنا عاوزك تحبها طبعاً، إنما برضه م الآخر حرص منها.. احتمال تلاقيها جايه تبوسك ولا تدلعك وتقوم قارصاك فى الخباثة كده من لباليبك.. أو لاسعاك قفا ع السريع.. معلش إستحمل وشد شويه فى اللبن وإجمد كده وبعد كده ح تطلع ده كله على جتتها.
حودة.. يمكن بعد كام شهر كده تلاقى حاجة طالعالك فى بُقك مضايقاك شوية.. ماتقلقش يا محمود.. دى إسمها سِنّة.. يعنى إنت ح يطلع لك أسنان.. ح تقعد فترة كده تطلع لسانك لأى حد مهما كان قيمته أو مركزه الاجتماعى.. وأنا عارف إن دى مش سخرية من الناس ولا تقليل قيمتهم.. هوه مجرد استغراب من البتاعة اللى طلعالك فى بُقك دى.. الأسنان دى يا حودة طالعالك علشان مستقبلاً يعنى احتمال تحب تمزع ورك فرخة.. تشد حتة لحمة.. تمص عود قصب.. أهو تبأه حاجتنا معانا.. ولا الحوجة لأى حد.
وبعون الله لما تقف كده على رجليك وتبتدى تجرى وتبرطع فى البيت.. ح أجيبلك واحدة ست شغلتها إنها تجرى وراك.. ست طيبة وحنينة جداً وبتاخد 350 دولار فى الشهر.. هى شكلها ح يبأه غريب شوية وبتتكلم عربى مكسر وح يبأه إسمها تاو أو فال، ومش عاوزك تتأثر يا محمود لو قومت فى يوم مالقيتهاش.. لإنها غالباً ح تكون عاملة لجوء سياسى للسفارة الفلبينية علشان حضرتك طلعت عين اللى خلفوها.
طبعاً أنا كأب ح أعلمك الأخلاق والاحترام والأدب.. وتقول بليز قبل ما تتكلم.. وتقول ثانك يو لما أجيبلك حاجة.. وما تحطش رجل على رجل قدامى.. تلك النصائح التى ستتقبلها على مضض وتكرهها كما تكره البيض والتى أعلم جيداً أنك ستنساها كلها وستتعلم السفالة على أصولها وح أدور أجيبك من الأقسام.. ربما تسألنى الآن.. ولماذا تتعب قلبك وتعلمنى أشياء لن أمارسها؟.. أقولك تذكر يا ابنى إن أسنانك بعد ما طلعت فى بُقك وقعت تانى!. وبعدين أبويا الله يرحمه.. اللى هوه جدك يعنى.. طلع عينى نصايح وتعليمات لما كرهت عيشتى.. عاوز تحرمنى وأنا أب إنى أطلع عينك وأكرهك فى عيشتك؟
لما تكمل ست سنين إن شاء الله يابو حنفى.. ح نبعتك مكان واسع كده فيه عيال كتير زى حضرتك.. المكان ده اسمه المدرسة أو زى ما مامتك دايماً تصلح لى اسمه السكول، والمدرسة دى فيها حوش كبير فيه جنينة.. قصدى الجاردن يعنى.. أبوس رجلك يا محمود مش عاوز أى مصايب.. لا تخزق عين حد ولا ترمى حد بالطوب.. كل ده ح تعمله إن شاء الله بس لما تكبر وتمشى فى المظاهرات.. علشان دول أصحابك يا بابا.. أيوه أصحابك.. لأ مش إخواتك.. هوه معقول أنا ح أخلف كل دول؟!. وبعدين مش معقول برضه كل يوم وأنا بأصحيك الصبح علشان تروح السكول ترفسنى الرفسة دى.
فى ابتدائى بأه يا حودة.. ح نبتدى ناخدها جد شوية.. أيوه.. إتعدل لى كده وإسمعنى كويس.. ح يدرسولك فى المدرسة عربى وحساب وعلوم.. وحاجات سخيفة جداً.. وح تبأه قاعد بتنام فى الفصل من كتر ما إنت مش طايق اللى بتسمعه.. الحاجات دى أنا عاوزك تحفظها صم ما يهمنيش إنك تفهمها خالص.. لإنها غالباً مش ح تفيدك بعد كده خالص.. زى أسنانك اللى كانت طلعت وبعدين وقعت دى.. مش أنا وإنت مسكنا (السِنّة) وروحنا قايلين يا شمس يا شموسة خدى سنة الننوسة وإدينا سنة جديدة ناكل بيها البسبوسة.. أهو ده اللى ح نعمله بالنسبة للمواد اللى ح تدرسها فى ابتدائى.. بعد ما تنجح إن شاء الله.
فى إعدادى بأه إن شاء الله يا محمود يدينى ويديك طولة العمر.. ح تحس بأحاسيس غريبة شوية.. ح تحس إن صوتك بدأ يجعر من غير مناسبة.. وشوية شعر كده ح تلاقيهم عمالين يتنطوروا فى جسمك، وأى بنت تعدى قدامك ح تلاقى رقبتك راحت ملووحة لوحدها كده وباصص لها.. كل دى حاجات كلنا مرينا بيها.. وقابلينها، بس بالنسبة لريم اللى ساكنة قدامنا وبتقعد ساعات فى البلكونة فى الحر بقميص النوم مش هى دى زوجة المستقبل يا محمود.. صدقنى.
أولاً لإنها فى الإعدادية وإنت لسه فى تانية.
ثانياً لإنها أطول منك.
ثالثاً لإن إنت لسه صغير.. وإنكتم بأه أحسن أديك على بوزك.
فى الثانوية العامة.. أنا عارف إنك ح تجيب لى ضغط وسكر وح أشوف منك الويل.. ما هو مش معنى إن ريم اتخطبت تعيش لى مأساة يا روح أمك.. وقاعد قافل الأوضة على نفسك ومش عاوز تفتح كتاب.. يا ابنى يا حبيبى.. خلص الثانوية العامة وخش الكلية وبعد كده إعمل اللى إنت عاوزه.. المدرسين داخلين خارجين يقولولى.. سرحان.. مش مركز.. أعمل لك إيه يا محمود؟!. فين دوا الضغط يا أخوانا.
ح ندخلك كلية بالمصاريف طبعاً يابو حنفى.. لإن أزمة ريم العاطفية ماخليتكش تركز كويس فى الثانوية العامة.. والمجموع اللى جيبته أخجل أنى أذكره فى مقالى دلوقت.. ما هو أنا قدرى إنى أقعد أدفع لك يا حودة كل اللى شقيت وطلع عينى عشان أعمله طول عمرى كأنى كنت بأكتب لك إنت... أنا مش فاهم ليه كل ما أجيب سيرة إنى بأشتغل كاتب تبتسم الابتسامة الحقيرة دى؟!
اتخرجت من الجامعة وخلاااااص.. يااااااه.. آخد نفسى بأه.. يا عم أنا كده عملت اللى عليا وعدانى العيب وقزح.. ياللا.. شق طريقك بأه يا محمود.. محمود أنا بكلمك.. شق طريقك.. ما بتشقش ليه يا حودة؟.. نعم؟!. لا بأه.. اللى فات كله كوم واللى جاى ده كوم تانى.. أى نصيحة نصحتك بيها أنا أنصحك ما تعملش بيها.. إلا النصيحة اللى جاية دى.. شوف يا محمود.. إعمل اللى إنت عاوزه.. إشتغل محاسب فى شركة.. مهندس فى مصنع.. إلعب كورة.. إشتغل نجار.. سواق تاكسى.. إشتغل أى حاجة.. إنما حسك عينك أشوفك ماسك ورقة وقلم.. وبتفكر.. إعمل أى حاجة إلا إنك تشتغل كاتب.. أنا بقولك أهوه.. إبعد عنى.. إنجح أو إفشل.. بس بعيد عنى.. وخللى بالك.. لو حاولت تكتب مش بس ح أعترض على محاولتك.. لأ.. أنا حا أحاربك، أنا بقولك أهوه.. أسوأ شىء فى الدنيا إنك تكررنى.. إنك تحاول تمشى فى نفس الطريق اللى أنا مشيته.. أنا مش فاهم ليه كل ما تيجى سيرة الكتابة تدور وشك وتبص الناحية التانية وتضحك؟!.. بتضحك على إيه؟.
آه سورى.. أنا فهمتك غلط.. إنت بتضحك للبنت الأمورة اللى نايمة فى السرير اللى جنبك.. من أولها يا محمود؟! يا عم مش عاوزين مشاكل فى المستشفى، ده إنت لسه ماطلعتش من الحضّانة.. وبعدين يا أخى أعمل لى إحترام ده أنا واقف.
إنما والله عنايات الممرضة عندها حق يا حودة.. يا أخى قورتك بالمللى قورتى بس على صغير والمناخير هيه.. حتى التكشيرة بتاعتك دى كأنى لسه صاحى من النوم متعكنن ومش طايق حد فى البيت.. وعلى فكرة الابتسامة الساخرة اللى إنت بتبص لى بيها دى مع إنها مش مريحانى.. إنما أنا ما أنكرش إنك وارثها عنى.. الله.. أجمل حاجة فى الدنيا لما الواحد يقف كده ويتفرج على جيناته.. وأنا واقف بأتكلم مع محمود فى الحضّانة.. دخل الدكتور شريف وقال لى:
- مبروك يابو محمود.. واد زى القمر.. بس معلش.. نسخة من مامته.
قلت له معترضاً أشد الاعتراض:
- مامته إيه يا دكتور شريف؟.. ما هوه.. قدامك.. ده نسخة مصغرة منى.. ده أنا بالمللى بس على صغير.
قال الدكتور شريف مندهشاً:
- إنت بتعمل إيه هنا؟! محمود إبنك خرج من الحضّانة من الصبح وطلع فوق مع مامته فى السويت.
نظرت نحو الطفل الذى كنت أكلمه وقلت للدكتور شريف مصعوقاً:
- أمال ده مين؟!
قال الدكتور شريف ضاحكاً:
- دى.. دى بنت مش ولد.. إبنك فوق.. إطلع علشان تشوفه.
مسرعاً.. متعجلاً.. ملهوفاً انطلقت إلى الدور العلوى لاستقبال ولى العهد الذى لم يسمع كلمة واحدة مما قلت له فى معرض ترحيبى بقدومه السعيد.
25 يناير 2009
* تليفونى زى ما هوه.. ما اتغيرش