من يسمح، فى عامه الأول، لكاتبٍ مثلى، بأن ينتقده كل صباح نقداً يتجاوز كل الخطوط، فهو جديرٌ بالتقدير والاعتبار.
نختلف فى تقدير نتائج العام الأول:
رقم واحد: أمثالى من الأقلية الهامشية فى تيار 30 يونيو يتبنون وجهات نظر قاسية، ويصدرون أحكاماً سلبيةً، على أساس أن 30 يونيو فى إمكانها أن تؤسس- بالفعل- لجمهورية جديدة تماماً، تختلف عن جميع طبعات الجمهورية التى عرفناها فى العقود الستة الماضية، والتى تسلمت حُكم مصر من سلالة محمد على باشا فى يوليو 1952م، وفى نهاية المطاف سلمتها لجماعة الدكتور محمد مرسى فى يونيو 2012م، وتقديرنا أن هذه الجمهورية سقطت مرتين، سقط جناحها الحاكم فى 25 يناير، وسقط جناحها السلبى الدينى فى 30 يونيو، فلم تعد قادرةً على البقاء، ولم يعد يصلح فيها ولها الترقيع والإدارة بالقطعة والعلاج بالمسكنات.
اسمعوا هذه الواقعة: كان عندى مشوار- بالتاكسى- من مدينة 6 أكتوبر إلى مصر الجديدة، تحدث سائقُ التاكسى فى كل قضايا البلد، وكان مما قال:
«زمان، ويقصد بزمان من سنة مثلاً، لو كان ركب معى واحد إخوانى وتجرأ وقال كلمة فى حق السيسى كُنت خنقتُه ونزّلتُه فوراً، الآن لو ركب معى واحد إخوانى وقال أى حاجة فى السيسى سوف أعتبرها وجهة نظر وأسمعها، ومن المُمكن بُكرة- والله أعلم- لو ركب معى واحد إخوانى وقال أى حاجة فى السيسى أوافقه على رأيه، لأنه من الوارد أن يكون متطابقاً مع ما أراه من سوء أوضاعى كسائق تاكسى».
رقم اثنين: الأغلبية من 30 يونيو، ومن يمثلونها فى الإعلام، تلتمس الأعذار للرئيس- فى عامه الأول- وترى أن أولويات هذه المرحلة تنحصر فى فكرة الحفاظ على الدولة، ولو فى حدها الأدنى، ولو بتواضع أدائها، ولو بتدنى مستوى كفاءتها، وهذه وجهة نظر غالبة وسائدة، نتفهمها ونتفهم دواعيها، ولكن لا نقبلها ولا نسلم بها، لأننا نراها دليلاً على غياب الرؤية، ونتاجاً لفقدان الخطة، وسبباً مباشراً لحال الإحباط الذى يزحف على بعض قطاعات الشعب، الذين يرون أن الحال هو الحال، وأن شيئاً لم يتغير، إلا أن مبارك رحل وجاء مرسى، ثم مرسى رحل وجاء عدلى منصور، ثم عدلى منصور رحل وجاء السيسى، وكل ما استفاده الناس هو الانتقال من سيئ إلى أسوأ.
رقم ثلاثة: سوف نختلف، وسوف نظل مختلفين، العام مضى وانقضى، المهم هو مراجعة كل من الفريقين لموقفه، حتى لا نبالغ فى اللجاجة والسفسطة على شىء قد فات، الأهم هو التركيز على الباقى من الفترة الرئاسية، والباقى منها هو ثلاثة أرباعها، هو 36 شهراً، تكفى لأن نخرج من دائرة الإدارة بالقطعة، إلى دائرة الرؤية الأوسع، حتى لا نُفاجأ فى مثل هذا الشهر من العام القادم بأننا نكرر الكلام نفسه، وبأننا نتبنى المواقف نفسها، وبأن نتقاتل فى الخنادق نفسها، فيضيع علينا عامٌ آخر، وتضيع علينا فرص أخرى.
رقم أربعة: المشكلة الكُبرى فى مصر هى المشكلة السياسية قبل غيرها، هى الأسئلة الثلاثة: أولاً، من يحكم؟ ثم كيف يحكم؟. ثانياً، من يملك؟ ثم ماذا يملك؟. ثالثاً، من نحن؟ ثم كيف نكون؟. هذه هى الأسئلة المعضلة الضخمة: سؤال الحكم لمن؟ سؤال خيرات البلد لمن؟ سؤال الهوية من نحن وكيف نكون؟
رقم خمسة: هذه الأسئلة لم تولد مع 30 يونيو، ولم تولد مع ولاية السيسى، هذه الأسئلة هى الشغل الشاغل للمصريين من مطالع هذا القرن: مرة مع ظهور فكرة التوريث، ثم مع فكرة الأخونة، ثم مع فكرة العسكرة تحت عباءة مدنية شفافة.
آخرُ الكلام: نحتاج إلى توسيع دوائر النقد، نحتاج إلى توسيع هوامش المعارضة الوطنية، نحتاج إلى طرح رؤى جديدة تُخاطبُ خيال المصريين الذين يتوقون إلى الالتحاق بالركب الإنسانى المتقدم، نحنُ لسنا رعايا نبحث عن الرغيف بأى شكل كان، نحن مواطنون أحرار فى بلدنا وفى زماننا، نحن مُلاك هذا البلد وأصحاب الكلمة فيه.