■ إوعى تصدق.. حتى لو رأيته ضخما، عريض الصدر، متحفزا، يدور حولك وأنت داخل سيارتك، ولا ينظر إليك حتى، يتعامل بتكبر، وأحيانا يستعرض، ويعلو صوته (قال يعنى الواد شرس).. بينما هو فى الحقيقة منظر وحركات على الفاضى، وكبيره يتباع بحسبة 2000 جنيه!
أحدثك عن كلب كشف المتفجرات، الذى قد يقابلك فى مدخل أى مول كبير أو أى فندق خمس نجوم فخيم، يوهمك شكله فى يد رجال الحراسة أنه الأخ الشقيق للكلب (رووى) صديق صالح سليم فى فيلم الشموع السوداء، وأنه الذى سيوقع بالعصابة، ويدل على البضاعة، ويكشف التشكيل العنقودى والتنظيم السرى، وينقذ مصر من الإرهاب.
قابلنا كلبا مثله أمام شيراتون المنتزه بالإسكندرية، الأسبوع الماضى، وكان يوم ما يعلم به إلا ربنا! كنا فى مؤتمر للهيئة الإنجيلية، والحقيقة تقال، الهيئة الإنجيلية تمارس نشاطا كبيرا فى مكافحة التطرف والإرهاب ونشر ثقافة العمل والسلام وقبول الآخر، ودعم المشاريع الصغيرة التى تخدم آلاف الفقراء، وكان يحضر مؤتمرها الذى دام يومين بالإسكندرية عدد من نجوم الإعلام والسياسة وأساتذة الجامعة ورجال الدين الإسلامى والمسيحى.. كل شىء كان فل وتمام حتى موعد ركوب الأتوبيس الخاص الذى سيعود بنا للقاهرة. تجمعنا أمام الأتوبيس، ومعنا حقائبنا، لكن كلب التأمين فى مدخل شيراتون المنتزه المحترم نبح، وزمجر، وقفز، وتبرم، راسه وألف سيف إن الأتوبيس فيه قنبلة!!
كانت الثالثة ظهرا، ابتعد الجميع بسرعة، ودخلوا الفندق، وبقى الأتوبيس خاويا وحيدا عند الرصيف القريب من شاطئ البحر، بعد أقل من نصف ساعة، كان حول الأتوبيس رجال البوليس، وتحركت سيارات النجدة، وعربيات البوكس..عساكر وظباط ورتب، وبقت لمة وهيصة وقلق.
يشيع البعض أن البسطاء والسذج- أو قل الجهلة والمتخلفين- هم بالذات من يتجمعون فى المكان الذى ينتظر أن تنفجر فيه القنبلة، وهم من يشعرون بالإثارة بدلا من أن يستشعروا الحذر والحرج، وينسحبوا من موقع الخطر.
إوعى تصدق.. عن نفسى أول ما عرفت إن الأتوبيس فيه قنبلة انتابنى شعور غريزى غريب (الله.. قنبلة)، وتسمرت أقرب ما أكون لباب الأتوبيس المفخخ، بحسب ما أخبرنا كلب الشيراتون الضخم الشجيع!
تجمع المارة، واقترب منى أحدهم، وفتح الحوار ببساطة: قنبلة برضه؟ ربنا يؤذى المؤذى.. حرام والله.. الناس دى عايزة إيه؟ طب افرض انفجرت دلوقت وحد مات؟
■ سألته: طب افرض انفجرت دلوقت واحنا اللى متنا؟
- هز رأسه فى ثقة: لا.. ما بنخافوش.. العمر واحد والرب واحد.
■ تصدق إنت راجل جدع.. بتشتغل إيه؟
- أنا فلاح.. عندنا أرض فى المعمورة البلد، وبنزرعها فاكهة.. إنتِ ساكنة هنا؟
■ لا أنا ساكنة فى 6 أكتوبر.. وكنت هارجع فى الأتوبيس ده.
- تفحّصنى جيدا ثم قال: بتشتغلى إيه؟
■ صحفية.
- أنا اسمى محمد الباسوس، لو إنتِ ساكنة جنب سوق الجملة انزلى بس، وقولى لأى حد الباسوس بتاع إسكندرية بيسلم عليك، واشترى منه أحسن خضار وفاكهة على ضمانتى.. تاخدى نمرة الموبايل؟
■ شكرا.. عشت.
- طب تاخدى لب؟
(عرفت لأول مرة كيف يمر الوقت ظريفا حين يتجمع الناس فى مكان واحد مع قنبلة على وشك الانفجار)!
وصل لموقع الأحداث أخيرا كلب الداخلية الميرى المتخصص، كان أكثر تواضعا ورزانة، من كلب الشيراتون.. دار حول الأتوبيس مرتين، ثم أشار بهدوء الخبراء: مفيش حاجة.. لمّ الناس دى يا بنى، وكل واحد يروح لحاله.
(يذكر أن كلاب الشرطة المدربة تكون عالية الثمن، معروفة النسب والأب، والأم أصيلة تتحمل ضغوط العمل، ورغم أنها مستوردة ومن مواليد الدول الغربية، مفيش كلب طلع على أمريكا مستغلا ازدواج الجنسية!).