يقولون إنه في يوم ما مثل هذا اليوم، استيقظ شاعر اسمه نجيب سرور ليجد نفسه ميتا.
كان غريبا، ووحيدا، في مستشفى مهمل على مسافة 200 كيلو متر من العاصمة التي مات فيها أول مرة!
يقولون أيضا إن الشاعر المجنون خلع الحياة الغريبة التي ألبسوها له في محبسه، وحمل جثته على كتفه، وهرب بها وحيدا نحو حياة جديدة وأبدية، ظل يتغزل فيها بعيون بهية من دون أن تزعجه نظرات الجلاد.
قبل سنوات من رحيله الثاني كان نجيب يجلس على مقهى ريش وسط القاهرة، عندما دخل أحد المثقفين وناوله إحدى الصحف اللبنانية قائلا في غضب: اقرأ هذا..
تناول نجيب الصحيفة وقرأ الخبر الذي أشار إليه الصديق، ثم ابتسم بارتياح ووضع الصحيفة على المائدة بهدوء، ومن دون تعليق، أراد أحد الجالسين أن يعرف سر الابتسامة النادرة للشاعر المتمرد، فأمسك بالصحيفة وقرأ الخبر، ثم صرخ محتجا، وهو يحدث بقية الاصدقاء بتجهم وغضب: لابد من تكذيب الخبر فورا.
سأله الجالسون: أي خبر؟
قال: خبر منشور في الصحيفة عن وفاة نجيب سرور
استنكر الجميع الخبر، ففاجأهم نجيب قائلا: لا أنصحكم بتكذيب الخبر، لأنه صحيح، بل هو أصدق خبر أقرأه في الصحف منذ سنوات، أنتم تجلسون مع رجل ميت!.
يبدو أن نجيب سرور احترف حيلة الموت والميلاد، فهو يموت كثيرا، لكنه يولد في كل مرة تُقرأ له قصيدة، وعندما يولد من جديد ينفخ في قصائده روحا جديدة، فتعيش واقعنا كما لو أنها كتبت بالأمس.
«فالقصة نفس القصة/ والغصة نفس الغصة/ نتجرع أنفاس الألم المكتوم/ ونمضى مغتاظين/ أملا في أن يأتى فارس/ مثل المارد يخترق الأسوار/ أسوار الصمت الملجم/ لكن المارد محبوس في القمقم»
في زمن المسوخ والأقزام التي تتصدر المرحلة عاد نجيب ليسأل:
«ما البطولة؟
أهي أن تفعل ما ليس بوسعك؟
تلك حيلة!
أهي أن تفعل ما يُعجز غيرك؟
تلك حرفة!
أهي أن تفعل ما يُحسب قبلك في عداد المستحيل ؟
تلك صدفة!
البطولة، هي أن تذكر شعبك/ هي أن تذكر أرضك/ ثم أن تنكر نفسك، حين تفعل أي شيء«
***
الجوع ليس وحشا.. فالأصح أن يقال: الجوع صانع الوحوش!
***
ياما ثرنا وبقت ثوراتنا بالدَّورة/ وف كل مره نلاقى النيل بقى إحباط/ ننام ونصحى نلاقيها ثورة ع الثورة/ ونعيده تانى وكل الركّ ع الخياط.
***
إلام نجىء ثم نروح؟/ لا جئنا ولا رحنا/ إلام نعيش ثم نموت؟/ لا عشنا ولا متنا
***
وهنا في قلب مدينتنا/ يتعلم كل غلام: ما معنى صمت الأفواه/ الأقلام/ مامعنى أي كلام يخلو من أي كلام؟
***
الحق أقول لكم:
لا حق لحى إن ضاعت/ في الأرض حقوق الأموات
[email protected]