x

جمال طه القوة العربية المشتركة.. قضايا وإشكاليات جمال طه الأحد 31-05-2015 21:34


المهمومون بالأمن القومى يسعون للاستشراف المبكر للخطر، وتوقع مصادره وحجمه، وتحديد آليات مواجهته.. السيسى كشف عن تشكيل قوات التدخل السريع مارس 2014 لمواجهة العمليات الإرهابية، والقضاء على منابعها بالداخل، ومصادرها بالخارج، إذا ما تطلب الأمر.. منذ أن شنت مصر غاراتها على معسكرات «داعش» بليبيا انتقاماً لمذبحتها ضد المصريين، لم تتوقف عن الترويج لفكرة إنشاء «قوة عربية مشتركة» للتصدى للإرهاب المتمدد بالمنطقة، لحساب قوى إقليمية ودولية فاعلة، تستهدف الأمن القومى العربى، وكيانات دوله الوطنية.. رغم عدم تحمس البعض للفكرة، نجاح الاجتياح الحوثى فى الإطاحة بالشرعية فى اليمن، بدعم إيرانى مباشر، ضمن خطة تطويق السعودية، والسيطرة على باب المندب، أعطى زخماً للفكرة، وخرج البيان الختامى لقمة شرم الشيخ العربية 29 مارس 2015 ليعلن الموافقة على إنشاء القوة، ويحيل الأمر لمجلس رؤساء الأركان للدراسة.

الاجتماع الأول لرؤساء الأركان عقد 22 إبريل، اتُّفِقَ خلاله على مهام القوة باعتبارها درعاً لحماية كيان وأمن الوطن العربى من المحيط إلى الخليج، ومحاربة الإرهاب، وشكل فريق عمل لوضع مشروع بروتوكول يتضمن مختلف الجوانب التنظيمية والقانونية والمالية المتعلقة بتشكيل القوة وأهدافها والإطار القانونى لعملها، وآليات اتخاذ قرارات التدخل، وتحديد طبيعته، ودور الأجهزة العليا، ومجلسى وزراء الدفاع، ورؤساء الأركان...الخ، وهو ما تم الانتهاء منه ومناقشته فى الاجتماع الثانى 24 و25 مايو، وتقرر عرضه على «ترويكا» القمة العربية «مصر- الكويت- المغرب»، قبل رفعه لمجلس الدفاع والقمة المقبلة.

مشروع البروتوكول لم يُعلَن نصه الرسمى، لكن علاقته بالأمن القومى المصرى والعربى، فرض محاذير وملاحظات، فجَّر قضايا وتساؤلات، وأثار إشكاليات وتخوفات:

المشاركة فى القوة.. المشاركة اختيارية، وليست إلزامية، الدستور الجزائرى يحظر مشاركة قواتها بمهام خارج أراضيها.. تقاليد السياسة الخارجية لسلطنة عمان المحايدة المتحفظة قد يحول دون مشاركتها.. والعراق ربما فضل تجنب الانزلاق لمواقف معادية لإيران نتيجة استشعاره أن التصدى لتمددها هو الهدف الأول للقوة.. ميدان عمل القوة سيقتصر على الدول المشاركة، ولكن.. ماذا لو نشب صراع بين دولة عضوة وأخرى غير عضوة؟ هل سيتم الانحياز للعضو لمجرد عضويته؟ أم أن موقف القوة من النزاع ستحدده معايير موضوعية؟ ما هى؟ ولماذا لا تكون مُعلنة لإشاعة الطمأنينة؟

طبيعة التدخل.. ينبغى أن يحدد بروتوكول إنشاء القوة طبيعة تدخلها، والهدف منه، وما إذا كانت مهمتها الفصل بين الأطراف المتنازعة أم العمل على فض النزاع والانحياز لطرف على حساب الآخر؟ وتحديد المعايير التى ستحدد الطرف الذى سيتم الانحياز له؟ وما إذا كان التدخل من خلال ضربات جوية وحصار جوى وبحرى، أم أن هناك احتمالاً للتدخل البرى.

موقفها من الثورات الداخلية.. أنظمة الحكم التى تتمتع بالشرعية الدستورية هى المخولة بطلب تدخل القوة، الخروج الشعبى على الحاكم، مثلما حدث بمصر 2011 و2013، وتونس 2010، يفرض وضع معايير محددة للتمييز بين التحركات الشعبية، والتحريض الممول من الخارج للحيلولة دون استعانة الحكام بتلك القوة كأداة للقمع.

موقفها من الانقسامات.. ليبيا تعانى انقساماً بين البرلمان المنتخب وقوات الجيش الوطنى من جهة، والمؤتمر المنتهية ولايته وميليشيات فجر ليبيا من جهة أخرى، مصر والإمارات تؤيدان الأول، قطر والجزائر تدعمان الثانى، إذا ما طلب البرلمان تدخل القوة، هل تستجيب؟ وإذا استجابت فما هى طبيعة تدخلها؟ وما انعكاسه على وحدة دول المجموعة؟

موقفها من النزاعات بين الأعضاء.. فى حالة نشوب صراع بين عضوين فى القوة، هل تلتزم الحياد؟ أم تتدخل للفصل بينهما؟ أم تنحاز للمعتدى عليه وفقاً لمعايير محددة ومعلنة؟

موقفها من التهديدات الموجهة لغير الأعضاء.. عندما تتعرض دولة غير مشاركة لتهديدات تنذر بالامتداد للدول الأعضاء، هل تتدخل القوة؟ وهل تعتبر موافقة الدولة غير العضو شرطاً للتدخل؟ أم أن الأولوية لدرء الخطر عن الأعضاء؟ سوريا نموذجاً لذلك.. عضويتها مجمدة بالجامعة العربية، وبالتالى لن تنضم للقوة، هناك خلاف على مشروعية نظامها، فهل تتدخل القوة لمواجهة الجماعات الإرهابية لصالح النظام؟! أم تتركها تتمدد لتهدد الدول الأعضاء؟ وهل هناك ضوابط تحول دون محاولة بعض الأعضاء توظيف القوة لإسقاط النظام؟

اختلاف المفاهيم بين الأعضاء.. الإخوان تنظيم إرهابى بمصر والإمارات، وثانى قوة سياسية فى البرلمان التونسى.. حماس تحصل على معونات قطرية تدعم بها إرهاب سيناء.. تناقضات عميقة قد تؤدى للصدام عند ممارسة القوة لمهامها على أرض الواقع، ما يفرض البدء بتوحيد المفاهيم بين الدول الأعضاء.

حجم القوات.. هناك طرحان حول عدد القوات وطبيعة عملها، الأول يتحدث عن قوة ثابتة ومحددة يتم البناء عليها، ضماناً لتوحيد مناهج التدريب والتسليح والعمل المشترك وتحقيق سرعة الاستجابة، والثانى يفضل تحديد القوة وفقاً لطبيعة كل مهمة على حدة، وبالتالى يتم استدعاء تشكيلاتها وأسلحتها من الدول الأعضاء عند الحاجة!!

مقر القيادة.. موقع مصر الاستراتيجى يبرر لدى البعض تمركز القيادة بالقاهرة، السعودية أيدت، قطر والجزائر عارضتا، والعراق تحفظ، وهناك حل وسط يقوم على إسناد القيادة للجامعة العربية بجنرالات معينين، رغم أن القيادة منظومة متكاملة، تضم هيئات وأجهزة معاونة ودعماً لوجستياً ومعلوماتياً وآليات وأدوات، تتضاءل أمامها القدرات الفردية مهما بلغ مستوى كفاءتها.

مصادر التمويل.. يفرض تشكيل القوة على الجامعة العربية أعباء مالية إضافية، فهل سيتم تحميل هذه الأعباء على الأعضاء بنسبة حصصهم؟ أم سيقتصر ذلك على أعضاء القوة، وكيف سيتم توزيع ميزانيتها على الأعضاء فى ظل الفوارق الكبيرة بينها من حيث القدرات المالية؟ وهل ستنعكس نسبة المساهمة على نفوذها وقدرتها فى التأثير على قرارات تدخل القوة؟

موقف القوة من إسرائيل: كثيراً ما تلجأ حماس لاستفزاز إسرائيل كسباً للتعاطف، ما يؤدى لهجمات إسرائيلية مضادة على غزة، حيث تختلط الأهداف العسكرية بالتجمعات السكنية، مثل هذه التطورات يوفر عادة مناخاً للمزايدات، ستصبح القوة العربية المشتركة هدفاً له، ما يفرض التأكيد على أن هذه القوة غير معنية بإسرائيل.. وفقاً لقواعد القانون الدولى فإن توقيع مصر وإسرائيل على اتفاقية كامب ديفيد 1978، وتوقيع الأردن وإسرائيل على اتفاقية وادى عربة 1994، يمنع إحداها من استخدام القوة ضد الأخرى على نحو مباشر أو غير مباشر، ويلزمها بحل كل المنازعات التى تنشأ بينها بالوسائل السلمية، كما أن تبنى القمة العربية الـ14 ببيروت مارس 2002 مبادرة السلام السعودية، وعدم التراجع عنها أو سحبها حتى الآن، يعنى استعداد الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، بمجرد استيفائها ترتيبات حسن النوايا، الأمر الذى يحصر دور القوة العربية فى تأمين كيانات الدول العربية فى مواجهة ما تتعرض له من تهديدات مباشرة من جانب التنظيمات الإرهابية المرتبطة بقوى خارجية مضادة، ما يُخرج إسرائيل من مجال المزايدات.

■ ■ ■

حالة التفتت والتشرذم التى بلغتها المنطقة العربية تنتظر ظهور قائد مُوَحِّد على رأس جيش فاتح.. الظروف الإقليمية والدولية ربما لا تسمح بذلك، لكن القوة العربية المشتركة قد تكون بديلاً، لو تم تضمين بروتوكولها معايير محددة وموضوعية ومعلنة، تكتسب الثقة داخل الإقليم، وتبعث الطمأنينة خارجه.. أمريكا أيدت إنشاء القوة، وأبدت استعداداً للتعاون معها، فرنسا وروسيا أعلنتا دعمهما، وزعيم الأغلبية فى البرلمان الألمانى أشاد بها، لكن الموقف الفعلى لشعوب المنطقة ودول العالم يتوقف على أداء هذه القوة، وما إذا كانت مصدراً لتحقيق أمن واستقرار المنطقة، أم مبرراً لزيادة التوتر والخلاف بين دولها.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية