x

جمال أبو الحسن مغزى عبارة «مش أحسن من سوريا والعراق؟!» جمال أبو الحسن الأحد 31-05-2015 21:34


يبدو أن ميزان القوى يتغير فى الحرب الأهلية السورية. النظام الأسدى يتراجع على جبهات القتال الأربع. فى المقابل، تتقدم الفصائل الإسلامية المُسلحة وتكسب أرضاً. يبدو أن التقدم الأخير هو انعكاس لنجاح الدول السنية- التى تدعم المعركة ضد الأسد- فى توحيد الفصائل الإسلامية وتنسيق عملها العسكرى. أقول «يبدو» لأن الساحة السورية مُركبة للغاية. تحالفاتها وقتية وعابرة. لا أحد يعرف على وجه اليقين من يُقاتل مع من، ومن يتلقى دعماً مِن مَن، ولأية غاية.

البعض سارع بتوقع سقوط الأسد. حجة هؤلاء أن النظام العلوى يُعانى حالة استنزاف رهيبة، سواء من حيث أعداد المقاتلين أو التدفق المالى اللازم للاستمرار فى المعركة. آخرون صاروا أكثر حذراً فى توقع نهاية بشار بعد أن صدق فيه بيت المتنبى: «كم قد قُتلتُ وكم قد متُّ عندكم.. ثم انتفضتُ فزال القبرُ والكفنُ!».

برغم ذلك الحذر فى التنبؤ بمصير بشار، فإن أى متابع للنزاع السورى يرى أن موقف الأسد، الميدانى والسياسى، غير قابل للاستمرار. النظام الأسدى لا يُسيطر اليوم سوى على محور «حمص/ دمشق/ اللاذقية»، وبما لا يزيد عن رُبع مساحة البلاد. الباقى تُسيطر عليه فصائل متنوعة أهمها جبهة النصرة (التى تجرى اليوم محاولة لتنظيف اسمها، برغم ما هو معروف من كونها فرعاً للقاعدة)، وداعش (التى سيطرت على شرق البلاد كُلياً)، فضلاً عن الأكراد فى الشمال.

على أن سقوط الأسد لن يكون مسألة سهلة. الحرب الأهلية السورية لها طبيعة عجيبة وفريدة. برغم ضآلة المساحة التى يُسيطر عليها الأسد، إلا أنه ما زال قادراً على الحيلولة دون قيام أى كيان يُشبه الحكومة فى المناطق «المُحررة». استراتيجية الأسد هى التمترس فى المناطق العلوية التى يُسيطر عليها، والتخندق فى دمشق، مع العمل على حرمان باقى سوريا من التمتع بأى وضع قريب من الحياة الطبيعية. بهذه الطريقة تمتد الحرب إلى ما شاء الله. إنها استراتيجية تعتمد فى الأساس على الدعم الإيرانى، وعلى التزام نصر الله بالقتال إلى جوار الأسد حتى النفس الأخير فى معركة حياة أو موت دفاعاً عن دمشق.

ثمة حقيقة خطيرة تختبئ فى ثنايا هذا المنطق الجُهنمى. النظام الأسدى ورعاته لم ينظروا إلى سوريا– ومن اليوم الأول- بوصفها كياناً موحداً. استراتيجيتهم لم تهدف إلى السيطرة على البلد. على العكس، جوهر استراتيجية الأسد هو أن سوريا– التى عرفناها- لم تعد موجودة. هو حرر نفسه من الانتماء إلى فكرة الدولة السورية. وعليه، لم يجد حرجاً فى اتباع هذه الاستراتيجية الشيطانية التى لا تقود– فعلياً- سوى لتقسيم سوريا.

قد يندهش القارئ، ولكنى من مؤيدى رؤية الأمور من نفس منظور الأسد. أى صانع قرار يبنى تصوره على أساس أن سوريا ما زالت دولة، يرتكب خطأ كبيراً. سوريا صارت ساحة مفتوحة لحروب وحشية بين عصابات طائفية. جيش الأسد هو مجرد عصابة من بين هذه العصابات، لا أكثر ولا أقل. استمرار «العصابة الأسدية» فى دمشق يغذى تمدد العصابات الأخرى ويُساعدها فى التجييش والحشد. ثبت أن التصور القائل بضرورة مُهادنة الأسد من أجل التخلص من داعش ينطوى على خداع كبير للنفس. الحاصل أن داعش توغلت وتوسعت أكثر. ثبت أنه لا سبيل للتعامل مع «الظاهرة الداعشية» بدون حل «للمعضلة الأسدية».

ما يسرى على سوريا يصدق على العراق. من الصعب أيضاً أن نصف العراق اليوم بأنه دولة. وزير الدفاع الأمريكى قال إن سقوط الرمادى مرجعه افتقار الجنود العراقيين إلى «إرادة القتال». هو لم يكن يتهم الجيش العراقى بالجُبن أو التخاذل، وإنما بما هو أنكى وأشد. مؤدى كلامه أن الجيش العراقى لم يعد جيشاً من الأصل. جوهر الجيوش هو الإرادة الجماعية للقتال. غياب هذه الإرادة يجعل الجيش مجرد حشد من الرجال الذين يرتدون زياً موحداً، تماماً كفريق للكشافة أو فرقة للموسيقى النحاسية!

ألمح الباحث «ستيفن كوك» مؤخراً لهذا المعنى. كتب فى مدونته: «هل تحتكر الدولة العراقية اليوم العنف المنظم؟ هل تلقى الميليشيات الشيعية والكُردية سلاحها إذا ما حدث وأصدر رئيس الوزراء العراقى أمراً لها بذلك؟. أغلب الظن أن الإجابة على هذين السؤالين هى بالنفى. وفيما يتعلق بمستقبل العراق، فإن ذلك يُشير إلى مسألة لا يرغب الكثيرون فى مواجهة أنفسهم بها: الدولة العراقية تصير، وبصورة متزايدة، شيئاً عديم الأهمية».

لنواجه أنفسنا بالواقع. لا يوجد اليوم شىء اسمه سوريا. لا يوجد شىء اسمه العراق. هما ساحتان لحروب العصابات الطائفية. بعض هذه العصابات يرتدى عباءة الدولة وليس له منها سوى الاسم.

أظن أن مفهوم «غياب الدولة» هذا يُجسد المغزى العميق لعبارة «مش أحسن من سوريا والعراق؟!» التى شاعت بين المصريين، والتى وجدنا بيننا– للأسف- من يسخر منها ويستخف بها، بينما هى تخلص فى واقع الأمر أخطر ما تواجهه منطقتنا اليوم.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية