حفل شهر مايو الحالي بعدد من التطورات الميدانية التي تؤشر في مجملها على تمدد نفوذ تنظيم داعش على نطاق أوسع في الداخل الليبي؛ ففي مطلع هذا الشهر سقط جزء كبير من المنطقة الوسطى في ليبيا، بقبضة تنظيم داعش، المنطقة الممتدة من معقله في مدينة النوفلية حتى مشارف هراوة، بحيث يكون التنظيم قد بسط سيطرته على النوفلية ودرنة وسرت وجزء من مدينة بنغازي. ومنذ ايام سيطر تنظيم داعش على قاعدة القرضابية الجوية في سرت الليبية، وهي أكبر قاعدة عسكرية ليبية موجودة في سرت، وسيطر عليها داعش بعد انسحاب مليشيات فجر ليبيا منها.
ولعل هذا التمدد هو ما يلفت الانتباه للاستراتيجيات التي يتبعها تنظيم داعش في التوسع في الداخل الليبي، لا سيما في ظل سيادة توقعات بأن يتبع التنظيم ميكانيزمات عمل مختلفة خاصة وأن الوضع في ليبيا يختلف بشكل كبير عن سوريا أو العراق. فليبيا مجتمع قبلي تلعب العصبية والانتماء الإثني دورا مهما في تفاعلاتها السياسية، فضلا عن حضور ملحوظ لبعض التيارات القومية والعلمانية، وهو ما جعل كثيرون يتوقعون أن تحد هذه المتغيرات من قدرة التنظيم على تجنيد عناصر أو كوادر جديدة داخل المشهد الليبي.
استقرت الجماعات المتطرفة في ليبيا بعد العام 2011 في عدد من المناطق نظرا لغياب المؤسسات الأمنية الصارمة وتواطؤ بعض الجهات التي كانت مشاركة في الحكم. بيد أن تبلور حضور داعش بشكل ملحوظ على الخارطة الليبية بدأ في أكتوبر 2014؛ حيث قام الخليفة الداعشي أبوبكر البغدادي، يتعيين قائد لفرع «الدولة الإسلامية» في ليبيا، إذ سمى أبا نبيل الأنباري، وهو عراقيتعرف عليه البغدادي أثناء مكوثهما في أحد معسكرات الاعتقال الأمريكية بالعراق.
ومنذ ذلك الحين أعرب داعش عن حقيقة كونه أصبح أحد أهم أرقام المعادلة السياسية -الأمنية في ليبيا وذلك من خلال العديد من الآليات والوسائل.
استعراض القوة
من ناحية أولى يعمد التنظيم وبشكل واضح إلى استعراض مظاهر قوته، وليس أدل على ذبك من قيامه بأسر ثم ذبح 21 مواطنا مصريا قبطيا في وقت سابق من العام الحالي، كما تشير التقارير إلى أن أمير التنظم (الأنباري)يسطير على كافة أوجه الحياة في درنة حالياً، من قبيل المنشآت الإدارية إلى المحاكم ومؤسسات التربية والتعليم، وصولاً إلى محطة الإذاعة المحلية. كما يقوم عناصر التنظيم بدوريات منتظمة في المدينة، بالضبط كما يفعل التنظيم في بقية المدن التي يسيطر عليها في العراق وسوريا.
وفي السياق ذاته يعمد التنظيم إلى القضاء على خصومه وتطويعهم من خلال العنف الوحشي، فقد استهدف تنظيم «الدولة الإسلامية» منذ سيطرته على درنة العديد من المعارضين، كثيرون منهم ساسة ومحامون وصحفيون وعناصر في الجيش الليبي، وحتى مواطنون أبدوا اعتراضهم على النهج الذي يسلكه التنظيم. كما تظهر مقاطع فيديو تنفيذ أحكام إعدام على الملأ في ملعب الكرة بالمدينة، إما بإطلاق النار أو بقطع الرأس. كما تم التخلص من أعضاء المليشيات الأخرى الذين رفضوا الانضمام إلى التنظيم.
ظهر استعراض داعش لقوته كذلك، مع انعقاد «مؤتمر القبائل الليبية»، الذي جرت فعالياته في القاهرة في وقت سابق من مايو الحالي، بهدف لم شمل الليبيين وتوحيد كلمتهم والتوافق حول ثوابت لإقامة الدولة والتوافق حول آلية للخروج الأزمة. ففي ليبيا تقريبا نحو 122 قبيلة وحضر هذا الاجتماع حوالي 60 قبيلة، وهو ما فسره مراقبون بأن شيوخ وعواقل القبائل تلقوا تهديدات من التنظيمات المتطرفة في بلاده، لمنعهم من حضور المؤتمر.
توسيع قاعدة العضوية
من ناحية ثانية يسعى التنظيم إلى توسيع قاعدته وزيادة عدد منتسبيه عبر عقد تحالفات مع بعض الميليشيات الأخرى، بموجبهاقامت المليشيات التي تنضم إلى التنظيم «بإنشاء مقرات ونقاط حماية لها في المدن الساحلية الليبية، مثل بنغازي وسرت والخُمس وحتى في العاصمة طرابلس.مستغلة في ذلك خوض الجيش نزاعا مع الميليشيات التي صنفها البرلمان»إرهابية«.
على صعيد متصل لا يكف التنظيم عن محاولة تجنيد أعضاء من خارج الأراضي الليبية، ومن أوروبا، إذ تشير تقارير صادرة عالمخابرات البريطانية، أن أعداداً متزايدة من البريطانيين يتدفقون في الفترة الأخيرة على داعش ليبيا، بعد التضييق الأمني على الراغبين في السفر في اتجاه سوريا أو العراق، مروراً بتركيا، حيث نجح بريطانيون مؤيدون لداعش من الراغبين في الالتحاق بصفوفه، في الإفلات من الرقابة الأمنية على المطارات ونقاط العبور الكلاسيكية، بالسفر براً عبر أوروبا، للتدفق على ليبيا عبر إيطاليا وتونس. بل كان من اللافت أن المنخرطين الجدد في صفوف داعش في ليبيا، لا يترددون في الإعلان عن نواياهم وخططهم، ويكفي النظر إلى صفحات بعضهم على موقع التواصل فيس بوك، لمتابعة رحلتهم في اتجاه ليبيا، عن طريق ما ينشرونه على امتداد الرحلة من صور ومعطيات منذ الخروج من بريطانيا حتى الوصول إلى ليبيا.
قضايا جدلية
يثير الحديث عن وجود وتمدد تنظيم داعش في المشهد الليبي عددا من القضايا الإشكالية التي لا تزال تحتاج إعادة نظر من قبل الفاعلين الدوليين والاقليميين المعنيين بالشأن الليبي، لعل أهمها تسليح الجيشالليبي، لاسيما وأن كثيرون يرون إنه على الجامعة العربية رفع قرار حظر تصدير السلاح إلى ليبيا الذي فرضه مجلس الأمن الدولي، انطلاقا من أن عدم تسليح الجيش الليبي هو تكريس للتطرف والإرهاب.
وهناك أيضا مسألة تعاون المجتمع الدولي مع ليبيا في مجال مكافحة الإرهاب، إذ يتجه غالبية الفاعلين الدوليين لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية إلى ربط ذلك التعاون بتشكيل حكومة وحدة وطنية.