x

جمال الجمل مصر من بعيد.. بحبك ولكن! جمال الجمل الخميس 28-05-2015 05:52


طالت جولتي خارج الوطن، لكن الغربة كانت فرصة لرؤية مصر بشكل أعمق بعيدا عن مشاحنات اللحظة، وصراعات التطلعات المتناقضة.

منذ اللحظة الأولى لم يفارقني الحنين للناس، ولغتهم الشعبية الخاصة جدا، ورغبتهم الدفينة في الحياة على هذه الأرض بالذات، وسط هذا الشعب الطيب المشاكس بالذات.

لم يمنعني الحنين من الانشغال بأسئلة كثيرة أخرى في مقدمتها السؤال الذي نلف وندور حوله جميعا: لماذا تعاني مصر من الفوضى القانونية والسلوكية، ومن غياب النظام في الشارع، ومن قلة النظافة، ومن مظاهر احترام المواطن بصرف النظر عن منصبه وثروته؟

لم تكن الأسئلة نابعة من كراهية أو غضب، لكن من حب وغيرة ورغبة عميقة أن تكون مصر مثلا للحضارة والفخر، لا للبؤس والظلم والضعف.

مصر بهية

لكن شيئا في ملامحها انطفأ، ويثير الشفقة على وطن عظيم تعثر.

مصر قادرة

لكن هناك من يدفعها للتسول والنوم على أرصفة الحضارة

مصر عفية

لكنها تستخدم عافيتها في حرب الأظافر، والاقتتال النفسي في طوابير البؤس والتزاحم على موقع قدم في المساحة الضيقة التي تتيسر فيها ظروف الحياة الأفضل.

مصر وناسة

الحياة فيها لها طعم رائع، والصحبة كنز، والعلاقات الإنسانية لها قاموس خاص لا تجده في أي مكان آخر بالعالم، الشوارع بيوت، والمقاهي بيوت، والأرصفة بيوت، حتى داخل سجونها يمكن أن ينبت العلم وتترعرع الذكريات.

مصر كبيرة

هناك بلدان أكبر منها في مساحة الأرض وتعداد السكان، ومصادر الثروة، لكن مصر لديها رحابة من طراز خاص، تنوع غير محدود، وانفتاح تلقائي بحيث يمكنك أن تكسب صديقا في كل خطوة، وتستلب الغريب من غربته ليصبح مصريا أكثر من المصريين أنفسهم، وهذا هو الانقلاب الذي أخشى من استمراره، بعد أن صار المصري هو الغريب في وطنه!

لماذا؟

لماذا لا نشعر بروعة مصر إلا عندما نبتعد عنها؟

ولماذا لا يكتمل الحب بالحياة السعيدة على أرضها؟

التقيت بمغتربين مصريين يتقطعون حزنا، لأنهم يتمنون العودة، لكنهم يعتبرون قرار العودة انتحارا، وتضحية حمقاء بمستقبل أولادهم، وبالحياة المستقرة الهادئة التي حققتها لهم بلاد الغربة!

التقيت أيضا عربا وأجانب تستهويهم فكرة الحياة في مصر، وقال لي أحدهم: تمنيت لو أنني وجدت الأرض مهيأة لأعمل وأعيش في بلدكم.. أنا أحب هذا البلد.. لقد عشت فيها وقتا قصيرا، فجذبتني، وسكنت ذاكرتي، وأتمنى أن أعيش فيها، لكن هل تتسع لي أرض تطرد ناسها؟

منعت دمعة كادت أن تكشف حزني على حال مصر، وتمنيت أن ينتبه القائمون على الأمر إلى صورة مصر في عيون محبيها.. تمنيت أن تكون الأولوية في تسهيل مشاريع الاستثمار للمصريين في الخارج، ثم المحبين والمنتمين والعاشقين لمصر، ولا تتحول الرغبة في تنشيط الاستثمار إلى رغبة عمياء تنظر إلى رأس المال أكثر مما تهتم بمشاعر المستثمر وتطلعاته.

افتحوا الوطن لأهله الراغبين في العودة

افتحوا الوطن لمحبيه من كل جنس ودين

حينها سترجع مصر بهية.. عفية.. قادرة.. متحررة.. عزيزة.. كريمة.. محروسة،،،

وآه يا مصر..

ألف آه وآه يا مصر.

جمال الجمل

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية