منذ قيام ثورتى 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، تكرر النداء بإشراك شباب مصر فى إدارة مستقبلها، لتحقيق آمالهم وأحلامهم وآمال الشعب المصرى.
ومن ناحية المبدأ.. فإن هذا الفكر هو من سمات التحول من إدارة مركزية ديكتاتورية المنهج إلى إدارة ديمقراطية مدنية حديثة.
وقد تابعت عملية اختيار وإشراك الشباب فى بعض الوزارات وفى بعض مواقع مؤسسات الدولة، وأيقنت أن المشاركة ضعيفة وعشوائية، وفى تقديرى أنها غير فعالة لتحقيق الهدف المنشود.. لماذا؟؟
إن اختيار الشباب لا يتم بطريقة علمية، فالشباب لابد أن تتوافر فيهم صفة القيادة وأن يكون لديهم من العلم ما يؤهلهم للمشاركة فى إدارة مؤسسات الأمة، وكعادة الحكومة فى اختيار القيادات التى تدير مؤسساتنا (من الوزير إلى المحافظ إلى المساعد إلى رؤساء المؤسسات)، يتم الاختيار بطريقة غير علمية وعشوائية وبمعايير غير واضحة للشعب ولا مفكريه.
كأن تجد فى صبيحة يوم حركة تغيير محافظين دون أى إعلان أو مناقشات لمقومات ومعايير حركة التغيير وهذا الاختيار، ولا قدرات من تم اختيارهم.
30 عاما وأنا أنادى بأن عملية الاختيار هى القرار، منذ عودتى من الخارج، وبناء على خبرتى فى إدارة المؤسسات الدولية، فالمؤسسات الناجحة تعتمد على اختيار من يديرها ومن يشارك فى صنع قراراتها.
فالنجاح عملية إدارية حديثة يؤمن بها من يدير.. ولكنى وجدت أن عملية الاختيار فى مصر إما معارف أو بناء على الثقة والولاء والمصلحة المتبادلة.. وفى النهاية هى نتيجة حتمية لطرق اختيار فى الظلام دون شفافية.. لأن الشعب ليس له دور فى عملية الاختيار.. وسوء الاختيار لمن يديرون أدى إلى الانهيار.
ولذلك مؤسسات الدولة أهدرت المال والندرة البشرية والبشر، وركزت على ترسيخ سلطاتها والحصول على ميزات إضافية بالمقارنة بما يحصل عليه باقى الشعب.. ومن هنا ظهرت مشاكل عدم عدالة توزيع الدخل والثروات وسوء الخدمات للشعب وعدم كفاءة استخدام الموارد المادية له نتيجة انعدام القدرات العلمية وقدرات الإدارة لمن يُدير، واستمرارنا بهذا الشكل دون رؤية أو تخطيط أو استثمار لمواردنا.. الأمر الذى أدى بنا إلى عدم إجادة حلول جذرية والإبطاء فى حلها (وهذا عجز التفكير)- إن وجدت- لمشاكل الفقر والبطالة والصحة وضعف الدخل القومى بالمقارنة بالدول التى بدأت معنا فى خطط التنمية وتفوقت علينا وسبقتنا بمراحل.
لذا.. فإن اختياراتنا لمشاركة الشباب فى الإدارة ووضعهم فى هذا المناخ غير الصحى ستنمى خبراتهم وقدراتهم بمنهج الإدارة المرضية (القائمة على الولاء والخنوع وخدمة صاحب المصلحة)، التى تسببت فى إهدار موارد الأمة والشعب، وستتكرر المأساة.
إذن.. ما المفروض أن نتبناه فى اختيار الشباب، حتى يدلوا بدلوهم فى إحداث النقلة النوعية وحركة التغيير الجذرى المطلوب إدارياً وعلى جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية، بما يخدم رفعة آمال الشعب وطموحاته وأحلامه، وبما يسهم فى حل المشاكل الكبرى ومشاكل الفساد الكبير الذى استشرى، بسبب سوء إدارة مواردنا وتنمية أصحاب المصالح ما يخدم مصالحهم، بما يستنزف موارد الأمة، وبما يصنع وينمى معه الفساد الصغير.. الفساد الكبير فى مفهومنا سوء الخدمات التى تُقدم للشعب، الذى حُوّل من شعب إنتاجى له حق إلى مستهلك يتسول حقه الطبيعى فى الخدمات.
وسنتحدث فى مشكلة البطالة والأمية وضعف الدخل وسوء وضعنا العالمى اقتصادياً.
لابد من تبنى عملية لاختيار القيادات الشابة، وأن يتم تأهيلهم بمنهج تنمية قيادات عندها مهارات وعلوم الإدارة، وتنمى معهم القدرة على القيادة والتركيز على توجه الإدارة لخدمة الشعب ومشاركتهم فى اتخاذ القرارات.
لابد أن تتوافر فى هؤلاء الشباب (من سيديرون) وتترسخ فى عقيدتهم قيم عمل جديدة (منها: مهارات الاتصال فيما بين العاملين- تدعيم الثقة- المبادرة- الطموح- العمل الجماعى- الانضباط- الالتزام- الإبداع- إدارة واحترام الوقت- قدرات التعامل والمعاملة الداخلية- مفهوم الجودة الشاملة) محورها رفع قيم الإنسان المصرى.
المنهج يتم على وضع برنامج لتنمية قدرتهم فى علم الإدارة وإدارة المؤسسات، وأن يتم تدريبهم على الكورسات الآتية:
(الإدارة الاستراتيجية- مهارات الاتصال- الإدارة المالية- إدارة الموارد البشرية- إدارة التسويق- علوم الاقتصاد الدولى والسياسى- السياسة الدولية... إلخ)، لأنه بدون المنهج والعلوم السابقة تصبح الإدارة بالتجربة والخطأ.
وأرى أن يتم اختيار 300 شاب من كل محافظة يتم اختيارهم من الأوائل والمتفوقين، وبناء على معايير ومواصفات الشخصية (معايير علمية- معايير تعكس قدرتهم على القيادة) التى يتم اختيارها، ووفقاً للجان يشرف عليها أشخاص مؤهلون وذوو مواصفات خاصة.
ثم بعد ذلك يتم ضخهم بالتدريج فى قيادة المحليات والمؤسسات، حتى بعلمهم يغيرون كلاً منها حسب اتجاهه، وبذلك تكون قد صنعت قاعدة كبيرة من القيادات، حتى يقودوا عملية التغيير للأحسن.
وأقترح أن تُرسل الدولة من المتفوقين بعثات خارج مصر فى اتجاهات متعددة، منها إدارة المؤسسات الكبرى والمتوسطة والصغرى، إدارة وتنمية وقيادة المؤسسات، كما يجب إعادة النظر فى إرسال بعثات فى مجال Hard Sciences والتكنولوجيا والاستثمار فى هذا النوع من البعثات هو أغلى نوع من الاستثمار.. وقد يقول البعض: أرسلنا بعثات عديدة لكنها لا تخدم الدولة، فضلاً عن استقرار من يتم إرسالهم من النابغين والمتفوقين بالدول المرسلة لها تلك البعثات.
التساؤل هنا: لماذا لم يعودوا مجدداً لأرض الوطن؟!
استرجعوا التاريخ وانظروا لبدايات النهضة الحديثة فى عهد محمد على حين قرر إرسال بعثات إلى فرنسا كمثال رفاعة الطهطاوى وآخرين مثله الذين قادوا حركة التنوير والتحديث عند عودتهم إلى مصر مرة أخرى، حيث وضعتهم الدولة فى طريق يؤدى إلى الاستفادة بتعليمهم وخبراتهم والمكتسبات التى اكتسبوها من بعثاتهم، وإلى الآن نتحدث عن المنورين الذين أنتجتهم مصر.
تبنت الدولة، ممثلة فى الحكومات المتعاقبة، محاربة النخبة من المفكرين والمنورين والعلماء الذين تعلموا وعلموا خارجياً وأشادت بعلمهم وخبراتهم وعقليتهم الدول الأخرى وليس بلدهم، حيث لم تستخدمهم الدولة فى مكانهم المناسب، بل على العكس حاربتهم وحُوصلت قدراتهم.
هذا.. فى ذات الوقت الذى كانت فيه اليابان وكوريا والصين والهند تنشئ مؤسسات جديدة وتخلق مناخا محفزا لأبنائها العائدين من الخارج لقيادة التغيير والتنمية.. وقد حدث ما طمحوا له من تنمية وتغيير.