x

أسامة غريب فتحى قورة أسامة غريب الأربعاء 27-05-2015 21:37


استمعت إلى حلقة إذاعية قديمة لبرنامج كان يستضيف الشاعر الغنائى الراحل فتحى قورة. سأله المذيع عن رأيه فى كُتّاب الأغانى وقتها (أوائل السبعينات).. رد فتحى قورة بأنه يندهش من جرأة بعضهم واستسهالهم الكتابة بدون جهد، وضرب مثالاً على هذا بأغنية عايدة الشاعر التى يقول كاتبها: قال لك إيه يا صبية حبيبك لما عاد؟/ قال لى غنوة حب حلوة تتغنى ف كل البلاد. اعترض فتحى قورة على جملة «تتغنى ف كل البلاد»، واعتبر أن الشاعر حشرها حشراً لاحتياجه إليها فى القافية.. وكان واضحاً أن قورة لا يحمل تقديراً كبيراً لشعراء الأغنية الجدد الذين ظهروا مع مطلع السبعينات، ومنهم كاتب الأغنية التى ذكرها، الشاعر عبدالرحيم منصور.

فى الحلقة الإذاعية نفسها استمعنا إلى رد عبدالرحيم منصور على هجوم قورة، وهجومه المضاد عليه، وسمعناه يقلل من قيمته كشاعر لدرجة القول إنه أقل حتى من زجّال، ولمز فى أغنية خمسة ف ستة بتلاتين يوم التى غنتها شادية!. حاول المذيع إيقاف هذا الهجوم غير المبرر، غير أن عبدالرحيم منصور اندفع وتجاوز الحدود لأنه فيما يبدو تأثر بشدة من الرأى السلبى الذى قاله عنه فتحى قورة. حاول المذيع أن يُفهمه أن أغنية «خمسة فى ستة» التى سخر منها هى للشاعر حسين السيد وليست لفتحى قورة.. دون جدوى.

بعد سماع الحلقة طافت بذهنى أفكار كثيرة، ذلك أنى أحمل تقديراً كبيراً لكلا الشاعرين وخصوصاً فتحى قورة، ولا أوافق أيًا منهما على رأيه السيئ فى الآخر، لكن استوقفنى اعتقاد منصور بأن أغنية شادية «خمسة ف ستة» من تأليف فتحى قورة، ذلك أننى مثله كنت أعتقد نفس الشىء وأظن أن هذه الأغنية هى واحدة من عشرات الأغانى التى قدمها قورة لشادية، وتذكرت ما كتبه الأستاذ طارق الشناوى عن فتحى قورة، أنه اضطر أحياناً وتحت ضغط الحاجة لبيع أغنيات لشعراء آخرين كانوا فى عجلة من أمرهم ولديهم شغل كثير، فأوكلوا للشاعر صاحب الموهبة الفائقة والغزارة فى الإنتاج كتابة بعض الأغنيات لحسابهم.. تساءلت بينى وبين نفسى: هل هذه الأغنية التى تجلت فيها ملامح فتحى قورة هى واحدة من تلك الأغانى التى عاش عمره يشعر بالحزن عندما يسمعها لأنها نُسبت لغيره؟.

فتحى قورة شاعر عظيم بكل معنى الكلمة، وأغانيه تثير الدهشة من بساطتها الآسرة، ولست فى حاجة لاستعراض أغانيه مثل بكرة وبعده ويا سيدى أمرك لعبدالحليم، أو تعب الهوى قلبى ومال القمر لمحمد فوزى، أو يا قلبى سيبك وإن راح منك يا عين لشادية، أو قلبى ومفتاحه، ودقّوا المزاهر لفريد، أو الأقصر بلدنا للعزبى، أو يا حلاوتك يا جمالك لفايزة، لكنى سأكتفى بمثال بسيط يدل على العبقرية من أغنياته التى كتبها لمحمود شكوكو..هناك أغنية تقول: حبيتك حباً جما، والروح بهواك مهتمّة/ وإزاى يا جميل تهجرنى، إلى أجلٍ غير مُسمّى. بقى يعنى اكمنّى بحبك.. تقابلنى وبوزك شِبر/ كل اللى جرالى فى حبك.. وعد ومكتوب بالحبر. قسمتى وياك ونصيبى.. يا شاغلنى ولا انت دارى بى/ قُربك دا جميل يا حبيبى.. وبعادك دا غازات سامّة!. حبيتك حباً جما.

تكمن عبقرية فتحى قورة فى أنه يستطيع أن يكتب «الأطلال» إذا أراد، لكن مؤلف «الأطلال» لا يستطيع أن يقول: قُربك دا جميل يا حبيبى، وبعادك دا غازات سامّة!.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية