كل سنة وأنت طيب.. أيها المواطن المصرى العزيز.. السنة دى وعليك خير مصر تكمل 5215 سنة بالتمام والكمال.. ومازالت يا أخى شابة مثل القمر.. مش باين عليها خالص.. يعنى لما تبص لها كده ماتديهاش أكتر من تلاتلاف سنة!. تستطيع أن تتخيل معى حجم التورتاية العظيمة الهائلة التى ستحمل 5215 شمعة.. كما تستطيع أن تتخيل أيضاً قوة «النفخة» الجبارة التى سينفخها 90 مليون مصرى لنطفئ الشموع ونحن نحتفل بعيد ميلاد مصر.
وقبل أن يزعل منى المؤرخون والأثريون الذين يؤكدون دائماً أن مصر هى حضارة سبعتلاف سنة، فإننى أحب أن أحسم هذا الخلاف الذى يمكن أن يفسد عيد الميلاد وأقول إننى متفق معهم تماماً ولكنى لا أتكلم عن عيد ميلاد الحضارة.. وإنما أتكلم هنا عن عيد ميلاد الدولة.. حينما حكم الملك مينا مصر.. ووحّدها وارتدى التاج وجلس على العرش وخطب أول خطبه أمام الشعب عام 3200 قبل الميلاد.. الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية إذا أرادت أن تحتفل بعيد ميلادها مثلنا يكفيها جداً تورتاية وسط من عند لابوار.. أما الشقيقة قطر فربما لن تستطيع أن تعمل عيد ميلاد.. وتكتفى بأن تعمل عقيقة!!.
لك أن تفخر أيها المواطن المصرى وتمارس التناكة كما تريد، واعلم يابن الغالية أن مصر التى تحتفل بعيد ميلادها هذه.. شافت الويل لآلاف السنين وتعرضت لمحن وأهوال ولم يستطع الزمن نفسه أن ينال منها أو يفشلها.. لا لم نفشل ولن نفشل أبداً.. ويتساءل البعض أحياناً: هل نجحت ثورة 25 يناير؟!.
ويردد أبناء الثورة فى إحباط: الثورة سرقت وأفشلت عمداً.
ويعارضهم أبناء ثورة 30 يونيو فى شماتة ويقولون: هى ثورة فاشلة من البداية.. الثورة هى ثورتنا نحن.
واسمحولى أن أختلف مع هؤلاء.. ومع هؤلاء أيضاً.. لا يا أعزائى.. ثورة يناير نجحت؟. آه نجحت.. وغيرت الواقع وحققت إنجازاً عظيماً.. حمدين صباحى ترشح للرئاسة أخيراً وحصل على ملايين الأصوات وغطى مصر كلها بابتسامته العريضة.. ووائل غنيم صار نجماً وتعلقت به القلوب حينما بكى.. وصار معشوقاً للجنس اللطيف.. وخالد يوسف أخيراً عثر على ضالته ووجد نفسه فى العمل السياسى.. وحمزاوى.. بعد أن كان مغموراً صار عضواً فى مجلس الشعب وتزوج من بسمة فى حفل عائلى أنيق حضره نادر بكار!!. وثورة يونيو نجحت؟ آه نجحت.. وأذهلت الدنيا كلها.. ونجح الفنان مصطفى كامل وأطلق أغنيته التى كسرت الدنيا «تسلم الأيادى»، والتى صارت هتافاً شعبياً.. وعمرو مصطفى تأكد الجميع أنه كان على حق فى كل كلمة قالها.. وعكاشة صار نجماً إعلامياً عالمياً ومفجراً لثورة 30 يونيو.. ونجح شباب تمرد.. ونزلت صورة محمود بدر فى كتب التاريخ.. وخدوا هذه المفاجأة كمان!!!
وهل جماعة الإخوان نجحت؟ آه نجحت.. مالكم تندهشون.. أنا أعلم أن الجملة صادمة ولكن لنعترف بالحقيقة.. كلنا نجحنا.. وكلنا اتراضينا.. وكله اتعشى.. عندك مثلاً صفوت حجازى.. هل كان أحد يعرفه قبل الثورة؟.. صار الآن نجماً مشهوراً.. وإذا نزل الشارع سيعرفه كل الناس.. وحيضرب له 40 سيلفى على الأقل.. بل إنه حتى حينما تنكر وحاول أن يخفى ملامحه كنجم يهرب من ملاحقة المعجبين.. عرفه الناس برضه من فرط شهرته والتفوا حوله على حدود ليبيا بصرف النظر عن أنه الآن فى السجن.. فهذه مسألة أخرى.
وحتى هؤلاء الذين اختلفوا مع 30 يونيو وهربوا خارج البلاد ليعملوا فى قنوات يهاجمون فيها الدولة.. هؤلاء أيضاً لم يفشلوا.. لقد نجحوا فى الهروب من البلاد.. كما نجحوا فى إيجاد لقمة عيش ومصدر رزق فى هذه الأيام الصعبة وصاروا نجوماً هم أيضاً.
إن روعة بلدنا هذه فى أنها باب رزق واسع ليس له نهاية.. تدافع عنها وتظبط معاها.. تتظبط.. تهاجمها وتلعن أبوها تتظبط برضه.
صدقونى الإخوان لم يفشلوا، بل نجحوا نجاحاً باهراً.. جماعة كانت محظورة ومهمشة ومطاردة لعشرات السنين.. ثم قامت على حيلها.. وحكمت مصر.. وصالت وجالت فى الدنيا كلها.. أليس هذا فى حد ذاته نجاحاً ساحقاً؟.. المشكلة تكمن فى مسألة القناعة.. آه لو قنعنا بما عندنا ورضينا بالنجاح الذى حققناه لما شعرنا أبداً بالتعاسة.. أنا أعلم أنهم كانوا يريدون أن يحكموها خمسمائة عام.. ولم يحكموا سوى عام واحد.. وماله!!. مش وحش.. بارك الله فيما رزق.. افرض مثلاً مثلاً يعنى إن منتخبنا استطاع أن يصل إلى تصفيات كأس العالم.. ألن نفرح ونهيص ونملأ الدنيا هتافاً؟!.. وصلنا يا سيدى.. ولم نصل إلى النهائى ولا حتى ربع النهائى.. ولم ننتصر فى أى مباراة.. هل سنقلبها غم بأه ونقول إننا فشلنا؟!!. حلو كده يا بديع؟.. اللى إنت عملته ماكانش حسن البنا يحلم بيه.. لقد حكمت الجماعة وصار أعضاؤها نجوماً يشار لهم بالبنان.. يطاردهم الإعلاميون لكى يحظوا بلقاءات تليفزيونية معهم.. ويتخاطفونهم.. وكانت تسعيرة اللقاء التليفزيونى لأحدهم لا تقل عن 12 ألف جنيه فى الحلقة.. وغاب نجوم الكرة والفن.. وذهبت أيامهم.. وكانت الأسرة المصرية تنتظر بشغف طلّة أى منهم على الشاشة.. وانقسمنا.. ناس غاوية البلتاجى.. وناس بتحب الشاطر.. أما الأطفال فقد ارتبطوا بشكل عجيب بمحمود غزلان.. ما هذا النجاح؟!. ما هذا المجد وهذا العز!.. احمدوا ربنا يا أخى.. تقول إن هذا كله قد ذال.. يا سيدى ما دايم إلا وجه الله وكل من عليها فان.. مش ده كلامكوا؟!!.
هل ينكر أحد تلك الشعبية الجارفة والنجومية غير المسبوقة التى حظى بها حازم أبو إسماعيل، ألم تكن مواكب ولاد أبو إسماعيل ومريديه وعشاقه يملأون الدنيا صخباً وحيوية؟!!.
أقسم لكم أننى كنت أستيقظ كل صباح وقبل ما أفطر أسأل المدام: هما ولاد أبو إسماعيل فين النهاردة؟!. بل إن صديقاً لى كانت حماته مغرمة بالشيخ حازم تبحث عنه من قناة إلى قناة.. وقد أتى صديقى هذا يوماً ليتناول الغداء معنا.. فقالت له المدام: حماتك بتحبك.. فقال صديقى فى استسلام: لأ.. حماتى بتحب حازم!!. أليس هذا كله نجاحاً منقطع النظير؟!. وكيف حدث ومتى حدث بعد الثورة بأيام قليلة؟.. هل رأيتم كاريزما وحضورا طاغيا مثل هذا؟!!
عندنا مثلاً فى مجال الفن.. يمكن أن يظل الممثل أعواماً طويلة ينحت.. فى مسلسلات وأفلام إلى أن يشعر به الناس.. بعضهم ينظر نحوه باسماً.. ويقول له فى شك: إنت ممثل.. صح؟!!. وربما يقضى سنوات أخرى إلى أن يركبوا الاسم على الصورة.. عندك مثلاً نجمنا المحبوب صديقى صلاح عبدالله.. هذا الفنان المُبدع المكافح الذى بدأ مشواره منذ مطلع الخمسينيات من القرن الماضى.. مسرح وسينما وتليفزيون وإذاعة.. ولم يبدأ الناس فى التعرف عليه والارتباط به إلا فى مطلع الألفية الثالثة.. وصار له الآن معجبون بالملايين، ولكن ليس بالدرجة التى حققها حازم الذى كان جمهوره يهتف فى كل مكان.. لازم حازم.. لازم حازم.. بينما لم نسمع أحداً من جمهور الأستاذ صلاح عبدالله يهتف أمام أى مسرح أو سينما.. لازم صلاح.. لازم صلاح.. أليس هذا كله نجاحاً يا ناس؟!!.
ثم قل لى بالله عليك.. صباح وفريد الأطرش ونور الهدى أين نجحوا؟!. نجحوا هنا ومن بعدهم إليسا وهيفاء ونانسى وكاظم وراغب حتى صافينار.. كل هؤلاء.. أين ذاقوا طعم النجاح؟!. عند حضرتك هنا.. صدقنى يا صديقى.. إنت لو حاولت تفشل فى البلد دى ماتعرفش.. وحتى إذا كنت مصراً على الفشل وراغباً فيه ومندفعاً نحوه بكل جوارحك- بعض الناس يحبون هذا- وإذا يعنى لا قدر الله حدثت المعجزة.. وفشلت، هل معنى هذا أنك فشلت؟.. إطلاقاً.. لقد نجحت فى أن تفشل.
سؤال آخر به بعض الحساسية.. ولكنى سأسأله: هل نجح الرئيس الأسبق حسنى مبارك؟!.
آه.. نجح؟!. ونجح وحده دوناً عن كل الرؤساء الذين قامت ثورات فى بلادهم.. فلا هو هرب مثل زين العابدين بن على.. ولا لحق بمصير القذافى.. ولا احتاس حوسة بشار.. ولا تآمر على بلده مثل على عبدالله صالح.. ولا حدث له ما حدث لصدام.. وخرج الرجل من السجن.. وحصل هو ورجاله على البراءة، وظل يعيش فى هذا البلد العجيب الذى احتكر النجاح!!. حتى هؤلاء النازحين من سوريا والعراق وليبيا واليمن عاشوا هنا.. وعملوا هنا.. ومصر هى البلد الوحيد الذى لم يعمل مخيمات للاجئين.. فانصهروا فى المجتمع.. ونجحوا.
والآن أجيبونى بالله عليكم: من هذا الذى يستطيع أن يفشل فى بلد تعداده 90 مليون نسمة وعمره 5215 سنة؟.. ده إنت لو وقفت بعربية بطاطا ولا عربية ترمس ح تلاقى الدنيا مشيت.. وحتنجح برضه.. بلد ينجح فيه اللصوص والشرفاء.. ينجح فيه المليونيرات والفقراء.. تنجح فيه الثورة.. والثورة المضادة أيضاً.. بل إن هذه الزيادة السكانية الرهيبة هى أكبر دليل على نجاحنا، فهل يمكن لبلد فاشل أن يتكاثر بهذه الصورة؟.. يا أخى أنت تعيش فى بلد يقول فيه الناس على الميت.. والله الراجل ارتاح وربنا كرمه وليلته عدت زى الفل.. أنت تعيش مع شعب يخلق من الموت نفسه نجاحاً.
واليـوم ونحـن نحتفـل بعيد ميلاد مصر الخمستلاف وميتين وخمستاشر.. أدعوك أن تنزل مصر (مصر قريبة) وتتمشى فى أزقتها وحواريها.. قف قليلاً على شاطئ النيل.. تأمل لياليها الصاخبة ومقاهيها العامرة لتتأكد أنها مرت على كل المحن.. وتجاوزت كل الاختبارات الصعبة.. ونجحت فى النهاية.