x

سعد الدين ابراهيم قوة مصر الناعمة.. من وحيد رأفت إلى مُفيد شهاب سعد الدين ابراهيم الجمعة 22-05-2015 21:20


سعدت كثيراً حينما طالعت منذ عدة أسابيع آراء للفقيه الدستورى د.مُفيد شهاب، تتعلق بمسألة سد النهضة والاتفاقيات الخاصة بتنظيم واقتسام مياه النهر الخالد بين دول الحوض، وخاصة مع إثيوبيا.

ولم تكن سعادتى فقط بالموضوع، وإنما أيضاً بالعودة الوقورة للدكتور مُفيد شهاب إلى الساحة العامة. فقد كان الرجل إحدى الشخصيات المرموقة خلال السنوات العشر الأخيرة من حُكم الرئيس محمد حسنى مُبارك ـ حيث كان وزيراً للدولة لشؤون مجلسى الشعب والشورى. ولكن يُحمد للدكتورمُفيد شهاب أنه كان من القلائل من رموز ذلك النظام الذين لم يثبت في حقهم أي فساد أو تجاوزات، أو سوء استخدام للسُلطة. ومثله في ذلك مثل د.على الدين هلال، ود.صبرى الشبراوى، اللذين كتبت عنهما في مقالات سابقة، للإشادة بمناقبهما في الماضى واستمرارهما في العطاء الفكرى والمهنى بعد ثورة 25 يناير، رغم أنهما كانا أيضاً من أركان لجنة السياسات في الحزب الوطنى الحاكم، ومن أقرب المُقربين للسيد جمال مُبارك، أمين عام الحزب، نجل الرئيس الأسبق. ومرة أخرى لم يثبت على الرجلين أي تُهمة فساد أو استغلال للنفوذ.

وكانت إشادتى بكل من د.على الدين هلال ود.صبرى الشبراوى من باب الإنصاف الموضوعى، أو بمناسبة صدور كُتب أو نشر مقالات لهما حول أحد هموم مصر أو شؤونها العامة.

وبالمثل لم يمنع الماضى السياسى للدكتور مُفيد شهاب أن يضع خبرته وكفاءته المهنية القانونية في خدمة وطنه في الحاضر. فبالنسبة له فإن المصلحة الوطنية تأتى فوق وقبل أي اعتبار سياسى حزبى. ود.مُفيد شهاب في ذلك، يواصل ويؤكد تقليداً مصرياً عريقاً. فقد سبقه على نفس الدرب أحد أساتذته الكبار، فقيه القانون الدولى الشهير الراحل د.وحيد رأفت.

فقد كان د.وحيد رأفت وفدياً عتيداً. وقد عانى ذلك الحزب العريق الأمرّين على يد ثورة يوليو 1952. ولم يشفع للحزب أنه كان قد قاد ربما أهم ثورة شعبية في تاريخ مصر الحديث، وهى ثورة 1919 بزعامة سعد زغلول وزُملائه، عبدالرحمن فهمى، وعلى شعراوى، وفخرى عبدالنور (جد الوزير الحالى منير فخرى عبدالنور)، ووليام مكرم عبيد، صاحب العبارة الأثيرة، إن مصر ليست أرضاً نعيش فيها، ولكنها وطن يعيش فينا.

فرغم ما حدث للوفد وللوفديين على أيدى ثورة يوليو، لم يمنع ذلك أحد أبناء حزب الوفد، وهو الفقيه الدستورى والوفدى البارز، د.وحيد رأفت، من تلبية نداء الواجب حين طُلب منه أن يقود الكتيبة القانونية للتفاوض حول مثلث طابا، الذي استماتت إسرائيل للاحتفاظ به، بعد الجلاء عن 90% من سيناء، بعد حرب 1973، وتوقيع مُعاهدة السلام مع إسرائيل. وقد فعل د.وحيد رأفت ذلك باقتدار، وكانت الكتيبة التي قادها تضم الدبلوماسى النابه د.نبيل العربى، الذي أصبح فيما بعد أميناً عاماً لجامعة الدول العربية، والمؤرخ القدير د.يونان لبيب رزق، وآخرين من المدنيين والعسكريين.

خُلاصة القول أن د.مُفيد شهاب، وهو القانونى النزيه، من نفس ذلك المعدن النفيس للمصريين العُظماء من أمثال وحيد رأفت ويونان لبيب رزق، والذين امتازوا إلى جانب علمهم ووطنيتهم، بالأدب الجم، وعفة اللسان. فلم يُعرف عن أي منهم، رغم سنوات خدمتهم العامة الطويلة، أي ابتذال في الأقوال أو الأفعال.

وقد عرفت د. مُفيد شهاب من خلال مؤتمرات مصرية وعربية ودولية، شاركنا فيها معاً. وكان الرجل نموذجاً مُشرفاً لمصر في تلك المُنتديات، علماً، وخُلقاً، والتزاماً.

إن الثورات، على مر التاريخ، هي مثل البراكين والسيول، تحرق في طريقها كثيراً من الأبرياء، الذين يؤخذون بجريرة قلة من الأشقياء من النظام القديم. وقد كنت أنا شخصياً (سعد الدين إبراهيم) إحدى ضحايا تلك الظاهرة في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ثم مرة أخرى مع عشرين من زُملائى في مركز ابن خلدون، في عهد الرئيس الأسبق محمد حُسنى مُبارك. وضاعت من أعمارنا عدة سنوات، في المنفى، أو في محاكم وسجون النظام، ناهيكم عن تشويه السُمعة، إلى أن أنصفت ساحتنا محكمة النقض، أعلى محاكم الديار المصرية. وربما كانت هذه التجربة المريرة، ومع سنوات سبقتها في المنفى، هي التي تجعلنى أكثر حساسية لآلام الآخرين، وأكثر حرصاً على رد اعتبار المظلومين منهم، خاصة إذا كانوا من قامات أمثال د.مُفيد شهاب، ومن يُعدون ضمن أهم عناصر قوة مصر الناعمة، وهى القوة التي تُضفى على مصر عبقريتها مكاناً، بلغة الجُغرافى الفذ جمال حمدان، وعبقريتها سُكاناً بلغة مؤرخها الكبير شفيق غربال.

لقد كتبت من قبل، في هذه المساحة، عن نماذج عديدة من أبناء مصر الأفذاذ، سواء بعد رحيلهم ـ مثل د. سيد عويس، ود. إبراهيم شحاتة، ود. سعيد النجار، ود. أسامة الباز، أو في حياتهم ـ مثل د.محمد الجوهرى، وأ.السيد يسن، ود.على الدين هلال، ود.صبرى الشبراوى، والمهندس نجيب ساويرس. فدعونا نبنى بخبرات العناصر البشرية النادرة، لتلك القوة الناعمة، من أمثال د. مفيد شهاب.

وليكن القضاء، الذي هو أكثر مؤسساتنا نزاهة، الفيصل في إدانة المواطنين أو تبرئتهم. ومن هنا نقول إنه ما لم يصدر حُكم قضائى بات ونهائى ضد أي مواطن، فإن لهذا المواطن كل الحقوق، وعليه كل الواجبات، التي ينص عليها دستور البلاد. وعلى الإعلام والشُرفاء منا أن يُسارعوا لرد اعتبار من أضير منهم معنوياً.

والله على أقول شهيد.

وعلى الله قصد السبيل.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية