عبر رسائل ومسودات وملاحظات وتوجيهات، تتكشف اهتمامات تتراوح بين الشؤون الاستراتيجية والقضايا العادية، نشرت وكالة الاستخبارات الأمريكية «سي آي اي»، الأربعاء، ١٠٣ وثائق حصلت عليها خلال عملية قتل زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، والتي نفذتها فرقة البحرية الأميركية «سيلز» في مخبئه في أبوت اباد في باكستان، حسب الرواية الرسمية الأمريكية.
ويظهر زعيم «القاعدة» في الوثائق كمنظر استراتيجي للتنظيم في السنوات الأخيرة، وكشخصية «رقيقة» في مخاطبة افراد عائلته، خصوصاً زوجته خيرية التي كانت في إيران وولدها حمزة الذي كان الأقرب من والده ومرشحاً لقيادة التنظيم.
ونقلت جريدة «الحياة» الندنية، من الوثائق التي سربها مكتب الاستخبارات الوطنية الأمريكية، أن زعيم تنظيم القاعدة كان «مهوسًا» باستهداف الأميركيين ونصيحته لـ«المجاهدين» في إحدى الرسائل أنه يجب «التخلي عن مشروع إعلان دولة اسلامية (دولة خلافة) وإعداد خطط لاستهداف سفارات الولايات المتحدة في سيراليون وتوغو واليمن». وكتب ابن لادن أن «اعلان الدولة الاسلامية قبل استنزاف الكفر العالمي يشبه وضع العربة قبل الحصان».
وذكرت الجريدة، أن ابن لادن ظهر في الرسائل أقرب إلى «مفكر استراتيجي» لـ «القاعدة»، إذ شرح في أحد النصوص «كيفية حفز الشعوب العربية على الثورة واقناعهم بالقيادات الدينية»، تابع التظاهرات في مصر ضد الرئيس السابق حسني مبارك ونصح بتواصل أكبر للتنظيم مع الحركات الشبابية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
غير أن أولوية ابن لادن كانت قتال الأميركيين، وكان مهووساً، بحسب الوثائق بالاحتياطات الأمنية. وكان يُدرك خطر ضربات الطائرات من دون طيار على كوادر تنظيمه، ولذلك طلب الامتناع عن إجراء الاتصالات عبر البريد الالكتروني وعن الالتقاء في اجتماعات كبيرة، وشعر بالقلق من احتمال وجود شرائح الكترونية مخبأة في ملابس زوجته. وكان مهتما بتجديد الكوادر. كما كان يبحث عن وسيلة لتمكين ابنه حمزة، الخليفة المرجح له حسب الاستخبارات الأميركية، من الانضمام إليه في ابوت اباد.
وعلى رغم وجود أفراد من عائلته قيد الإقامة الجبرية في إيران نصح ابن لادن زوجته خيرية «أم حمزة»، «ألا تثق بالإيرانيين» خلال الاستعدادات لخروجها من هناك.
وكتب في رسالته «قبل وصول أم حمزة إلى هنا يجب ان تتخلص من كل شيء بما في ذلك الملابس والكتب، وكل ما كانت تملكه في ايران» قبل ان يوضح «تم تطوير شرائح (الكترونية) أخيراً للتجسس، وهي دقيقة إلى الحد الذي يمكن اخفاءها بسهولة في حقنة». واضاف «وبما انه لا يمكننا الوثوق بالايرانيين فان من الممكن زرع الشريحة في بعض الاغراض التي تاتون بها معكم». وسأل ابن لادن ما اذا كانت أم حمزة زارت طبيب الأسنان في ايران وامكانية وضع «حشوة» مجهزة الكترونيا لرصد حركاتها.
وبحسب الوثائق، كان بن لادن يحضر لاحتفال في العام 2011 بالذكرى العاشرة لهجمات 11 سبتمبر، عبر إطلاق حملة إعلامية ضخمة، وكتب في رسالة غير مؤرخة، لكن يرجح أن تعود إلى ديسمبر 2010: «نترقب الذكرى العاشرة للهجمات المباركة على نيويورك وواشنطن خلال تسعة اشهر». واضاف في الرسالة، التي لم يعرف الطرف الذي وجهت اليه، «تدركون جيداً اهميتها واهمية الافادة من هذه الذكرى في وسائل الاعلام لتمجيد انتصارات المسلمين ولننقل إلى العالم ما نريد نقله».
وتبين الوثائق، الوجه الإنساني لزعيم تنظيم القاعدة، وأوضحت أن بن لادن رومانسيا في مخاطبته لخيرية وابنه حمزة وكتب في إحدى الرسائل: «كم انتظرت مغادرتك إيران».
كما كان قلقا من أن «الانقسام في الحركة الجهادية قد يؤدي إلى هزيمتها»، كما قال مسؤول أمريكي في الاستخبارات طلب عدم كشف هويته.
أما في قراءاته، فكان يملك مؤلفات سياسية أميركية عدة بينها كتب للمفكر نعوم تشومسكي والصحافي بوب وودوارد، ومؤلفات أخرى تسرد نظريات مؤامرة عن اعتداءات ١١ سبتمبر ٢٠٠١.
ويأتي الكشف عن هذه الوثائق بعد نشر الصحفي الاستقصائي الشهير سيمور هيرش مقالاً يشكك في الرواية الرسمية لقتل بن لادن، لكن الناطق باسم وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي ايه»، راين تراباني، قال إن العملية بدأت منذ أشهر ولا يمكن اعتبارها ردًا على المقال.