x

سمير فريد أنشودة عن حيفا والأمل فى السلام سمير فريد الأحد 17-05-2015 21:22


عُرض خارج المسابقة فيلم «وبعد تفكير» للمخرج الإسرائيلى إيلاد كيدمان (فى كتالوج المهرجان أنه فرنسى إسرائيلى، وفى كتالوج الفيلم إسرائيلى فرنسى!).

هذا هو الفيلم الروائى الطويل الأول للمخرج الذى ولد عام 1979 فى حيفا، وفاز فيلمه «أنتيم» بالجائزة الأولى فى مسابقة أفلام الطلبة فى مهرجان كان 2008. والمعروف أن الفائزين فى تلك المسابقة يكون لهم حق عرض فيلمهم الطويل الأول فى أحد أقسام المهرجان إذا جاء الفيلم على المستوى المناسب بالطبع.

«وبعد تفكير» عمل فنى جيد يؤكد موهبة صاحبه التى بدت فى فيلمه القصير الأول أثناء دراسته للسينما، وأنه «مؤلف» سينما حقيقى، ليس لأنه كتب السيناريو فقط، وإنما لأنه يعبر بأسلوب سينمائى خالص، ويستوعب سينما ما بعد الحداثة من جودار إلى جريناواى.

ولو لم يكن قد ذكر فى كتالوج الفيلم أن مخرجه ولد فى حيفا لكان من الممكن بسهولة إدراك أنه ولد فى هذه المدينة العربية العريقة، والتى تجمع بين عرب فلسطين ويهود إسرائيل 48، أى الذين أقاموا دولة إسرائيل على أرض فلسطين ذلك العام من القرن الميلادى الماضى. فالفيلم أنشودة حب للمدينة، ويدل على أن صاحبه من أولئك الذين لا يفقدون الأمل فى تحقيق السلام الذى ينهى معاناة الشعبين بعد أكثر من نصف قرن من الحروب.

إنه فيلم كلاسيكى الشكل ما بعد حداثى فى الأسلوب. ليس هناك قصة تروى، ولكن الوحدات الكلاسيكية الثلاث (الزمان والمكان والموضوع) نموذجية، إذ تدور الأحداث فى يوم واحد، وأغلبها على السلالم الطويلة للمدينة التى تطل على البحر المتوسط من ناحية ويطل عليها جبل الكرمل من الناحية الأخرى. أما الموضوع فعن شخصيتين من اليهود يمثل أحدهما جيل الوسط وهو موشيه (يورى كلاوزنر)، ويمثل الآخر جيل الشباب وهو يورى (إيتاى تيران)، ويتكاملان فى التعبير عن الواقع فى المدينة.

ويبدو أسلوب المخرج ابتداء من اللقطة الأولى، وهى لقطة بانورامية طويلة تستغرق عدة دقائق للمدينة من الميناء إلى الجبل، وعلى شريط الصوت أصوات المصانع وآلات البناء، ثم أصوات العصافير والطيور، ثم حوارات الراديو فى الصباح. وهذه اللقطة استهلال بارع لفيلم هو أيضاً وثيقة تسجيلية عن شخصية المدينة المعمارية.

والبناء الدرامى مشاهد مختلفة من الحياة اليومية من خلال «موشيه» الذى يصعد السلالم أغلب الوقت، و«يورى» الذى يهبط منها أغلب الوقت. وهما لا يلتقيان إلا فى مشهد واحد فى وسط الفيلم حيث ندرك أن موشيه كان مدرساً فى المدرسة التى تعلم فيها يورى.

يبدأ الفيلم فى منزل موشيه، حيث تبحث زوجته عن إحدى فردتى قرطها الأثير، فيعدها موشيه بشراء أخرى. ويمارس موشيه عملاً غريباً على خلفيته كمدرس، وهو تأجير لعبة حصان معدنى للأطفال. وعندما يذهب لشراء فردة القرط يعرض على البائع صورة زوجته وهى تضع القرط لكى يتعرف عليه، فيخبره البائع أنها صورة صديقة لمذيع فى التليفزيون اشتراه لها كهدية. وينتهى الفيلم من دون أن نرى موشيه يعود إلى منزله.

أما يورى فهو شاعر شاب يستعد للهجرة من إسرائيل، وينتظر السفينة التى تقله بعيداً. وطوال الفيلم يتلقى مكالمات على شريط الصوت من مندوبة الجيش التى تدعوه للتدريب كضابط احتياط، وعندما يتهرب تقول له إنه مجرد تدريب، ولسنا فى حالة حرب. وعندما تحول الإجراءات الروتينية دون سفره يخلع الطوب من جزء من أحد السلالم الطويلة ساخطاً، ثم يمضى. وهنا تخرج امرأة عربية من منزلها وتعيد الطوب إلى مكانه، ويراها موشيه فيساعدها، وتكون اللقطة الأخيرة لوضع الطوبة الأخيرة التى تعيد السلم إلى ما كان عليه.

ويرتبط المشهد الأخير لموشيه مع المرأة العربية مع أول مشهد له بعد خروجه من منزله، حيث يلتقى مع موظف عربى يعرفه ويقترح عليه إقامة متحف للنكبة، وهى الكلمة العربية والعبرية لوصف ما حدث عام 1948، ويقول موشيه: لماذا لا نقيم متحفاً للنكبة كما أقامت ألمانيا متحفاً للهولوكوست؟ وعندما يحل موعد صلاة الظهر للمسلمين نستمع إلى أذان الصلاة على شريط الصوت، كجزء من شخصية المدينة الثقافية، كما نسمع موسيقى غربية وعربية وحواراً عبرياً وعربياً على نفس الشريط. إنه أنشودة عن المدينة والأمل فى السلام.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية