للدولة وأحبائها الآن أن يفرحوا بانتصارهم.. لن تظهر ريم ماجد على شاشة مصرية في حلقتها القادمة لتثبت السلطة لأنصارها أنها لا تزال مسيطرة على الأمور، وأن موجة النقد العالية في الأسابيع الأخيرة لا تعني العودة إلى المربع الأول أو ظهور من أقصتهم خلال الفترة الماضية.
لا تشغل الدولة بالها بأن تشرح لأنصارها عبر شاشات التلفزيون الرسمي أو الخاص- الذي يجاهد معظمه لتقديم نفس الرسالة الحكومية- ما الذي يحدث في سيناء؟ وهل فشلت في مواجهة قتل أبنائنا يوميا فقررت ترك المهمة للقبائل؟ وأين ذهبت الوعود الاقتصادية وحالة التفاؤل التي صدروها وأقنعوا بها المواطن أن الرخاء قادم في الشهر المقبل؟ ولماذا ازدادت حالات التعذيب في السجون لتصبح عصية على التجاهل فتتصدر الصحف الحكومية نفسها؟! تلك أشياء ستتجنبها الدولة في وجبات التوك شو الليلية مع جمهورها الذي يهمها في المقام الأول وستتركهم لأحاديث عكاشة وصيحات زملائه واتهاماتهم للجميع بالعمالة وعدم الإحساس بالمسؤولية. فإحساس الخطر هذا لابد أن يستمر.
هؤلاء سيصدقون ما تقوله السلطة أيا ما كان ولكنها رغم ذلك تريد أن يمسك أحدهم بالريموت ويكون عرضة أن يلتقي بأي صوت آخر خارج الكورس المنضبط. أما من على الإنترنت ويقرأون المواقع الالكترونية فليسوا في دائرة الاهتمام الآن حتى تجد وسيلة أخرى لضبطهم.
هكذا الصورة أوضح.. كانت الدولة تحاول أن تكسب احترام الغرب فتقول إنها تحترم الصحافة والرأي ولم تتدخل لإيقاف أي صوت أو وجه إعلامي بينما ضغوطها مستمرة على الإعلام الخاص ليأتي القرار من غيرها. لكنها الآن تعلنها صريحة لا صوت يعلو فوق صوت من اختارتهم ليقدموا حفل انتصار أكتوبر بينما تدعي أنها بريئة من الهجوم على يناير وعودة وجوه مبارك إلى الواجهة.
في حديث سابق أشار الرئيس إلى أنه يحسد عبدالناصر على إعلام الستينيات.. يبدو أن العبارة لم تكن عابرة؛ فالضغوط أصبحت تمارس الآن علنا دون حتى مراعاة أن يبدو الأمر تطوعا من إدارات القنوات الخاصة وملاكها.
الوضوح يمتد لمدى أبعد. فما كتبه الزميل علاء الغطريفي في مقاله- الذي فرمته ذات الأجهزة- في عدد الوطن السنوي يكشف أن أحد كتاب المقالات باسم مستعار في صحيفة يومية أخرى تصدى للهجوم على الإعلام والدعوة إلى مساندة الدولة هو ضابط في جهاز حساس آخر في الدولة.. لم يحاولوا حتى إنكار ذلك ولا التبرؤ منه واكتفوا بمصادرة العدد وتغيير العناوين دون اهتمام بما يعتمل في الإنترنت.. هؤلاء لا قيمة لهم في رأي السلطة.
برنامج ريم مسجل ولا يتطرق للسياسة.. عادت به بعد أن فضلت أن تجلس في بيتها على أن تقول ما لا تقتنع به أو عرفها الجمهور وهي تردده. رفضت عروضا كثيرة لأنها لا تريد أن تظهر على شاشة قناة غير مصرية، لكن العودة الأسبوعية تغضب من يظنون أنهم يعودون بنا تدريجيا إلى إعلام الستينيات حتى ولو كان الحديث عن نماذج نسوية رائدة ناجحة وبعيدا تماما عن تناول الفشل اليومي المعيش.
نعيش في 2015 أجواء «زينب والعرش» التي كتبها فتحي غانم عن صحافة ما بعد يوليو.. يريدون إعلام الستينيات مع الهواتف الذكية وفيسبوك وتويتر كما واجه سابقوهم تظاهرات ميدان التحرير بالجمال والخيول أو من تلاهم حين نصبوا الخيام أمام مدينة الإنتاج الإعلامي ليمنعوا أصواتا لا تعجبهم.
سيصطف الإعلام وسيستمر المنع التدريجي لكل صوت باق كما حدث مع باسم يوسف ويسري فودة ودينا عبدالرحمن وستتمترس الدولة خلف إعلام الخطر ظنا منها أن الأمور في قبضتها وأن الثورة على مبارك كانت بسبب سماحه بهامش حرية انتقاده وانتقاد أجهزته في برامج التوك شو والصحف الخاصة وأن نفس الشيء تكرر مع مرسي.
لا يملك أي منا أي يقين بما سيحدث في الأيام المقبلة وإن كان المزيد من الحجب سيعزز الانفصال بين عالم أقصى سقف حريته أن يوجه همسات العتاب للحكومة وبين عالم آخر يتابع ما تكتبه صحف العالم عن مصر ويسخر ويعلق ويحلل كل ما يراه وإلى أين سيأخذنا هذا الفارق الشاسع بين العالمين. لكن الأكيد أن ريم خرجت هذه المرة منتصرة أيضا لتكسب حب جمهور صدقها لأنها دفعت ثمن قناعتها ولم تتوار يوما وراء اسم مستعار تدير به معاركها.