x

د. ياسر عبد العزيز لا تقمعوا الإعلام د. ياسر عبد العزيز السبت 16-05-2015 22:03


العنوان أعلاه ليس جديداً.. فقد استخدمته من قبل فى مقال تم نشره فى هذه الزاوية بتاريخ 14 نوفمبر 2010.

فى هذا المقال السابق المشار إليه، ضربت أمثالاً بعدد من الأنظمة السلطوية التى قمعت الإعلام ودفعت أثماناً فادحة بسبب تلك السياسة الخاطئة. وأوضحت أيضاً أن عدداً من الحكومات التى تورطت فى قمع الإعلام، وأدركت أن هذا القمع سيؤدى إلى نتائج بالغة السوء، بادرت بخطط ذكية، تعطى الإعلام متنفساً، وتقلل القيود المفروضة عليه.

ثمة ثلاثة أشياء أخرى أود أن أشاطركم إياها بخصوص هذا المقال المشار إليه؛ أولها أننى بالطبع لم أشِر إلى نظام مبارك باعتباره مثالاً على «عدم قدرة القمع والتعتيم الإعلامى على حماية النظام من السقوط طالما توافرت أسباب سقوطه»، لأنه ببساطة لم يكن قد سقط بعد.

وثانيها أننى استعدت عنوان هذا المقال الآن لأننا للأسف نمر بمرحلة جديدة من مراحل «قمع الإعلام وتقييده»، وإن كانت تلك المرحلة تستخدم أدوات أكثر نعومة، وأقل وضوحاً، وتجد بعض التبرير والمساندة بسبب التحدى الإرهابى، والتحالف الإقليمى والدولى الذى يناصب الدولة المصرية العداء، وبعض أنماط التمويل المشبوهة والغامضة، وبعض أنماط الأداء الإعلامى المأفونة والمبتذلة.

أما ثالث تلك الأشياء، فهو أننى ختمت المقال المشار إليه بحكمة فارسية تقول «العاقل يستنتج.. والجاهل يتعلم».

وامتثالاً لتلك الحكمة، وتفعيلاً لها؛ فإن على دولتنا الحالية وحكومتنا الراهنة أن تستنتجا بوضوح أن قمع الإعلام لا يحمى دولة أو نظاماً، بل يطيل عمرهما قليلاً فى أفضل الأحوال، قبل أن يأخذهما إلى الانهيارات والأزمات. وأن المشهد الاتصالى الراهن لا يمكن أن يقبل تعتيماً إعلامياً.. وأن درجة القمع والتعتيم التى يعرفها الإعلام المصرى فى الوقت الحالى يمكن أن تثمر فى مجتمعات أخرى أقل حيوية وانفتاحاً وأكثر ثروة ورفاهية، لكنها لا يمكن أن تنجح فى مصر.

العاقل سيستنتج ضرورة الحفاظ على المجال الإعلامى منفتحاً، ومتعدداً، وحراً، ومهنياً، ومسؤولاً. والجاهل سيحتاج أن يتعلم هذا. لكنه، للأسف، سيدفع، ونحن معه، ثمناً فادحاً ليتعلم.

يتعرض المجال الإعلامى المصرى حالياً لانتهاكات وضغوط عديدة؛ منها مصادرة أعداد بعض الصحف، وإجبارها على تغيير موضوعات وإزالة مقالات، ومنع إعلاميين معينين من تقديم بعض البرامج لأنهم لا يخدمون الخط السياسى الذى تتبناه بعض الأجهزة، وملاحقة بعض الصحفيين قضائياً بسبب كشفهم أخطاء أو قصورا فى بعض أوجه الأداء العام، والتضييق على كتاب رأى، والضغط على ملاك بعض وسائل الإعلام، وتوجيه قيادات التحرير فى بعض وسائل الإعلام لنشر موضوعات معينة أو تفادى موضوعات أخرى، وتجنيد إعلاميين وتوجيههم واستخدامهم فى حروب سياسية قذرة بوسائل غير مهنية وغير قانونية.

يضاف إلى تلك الانتهاكات عدد آخر من المشكلات الحادة وغير المقبولة؛ مثل حبس بعض الصحفيين دون أن تتم البرهنة على ارتكابهم جرائم خارج نطاق التعبير عن الرأى أو ممارسة المهنة، ومحاولات تعطيل جهود بعض أبناء الجماعة الصحفية والإعلامية لإنجاز مشروعات قوانين تنظم المهنة وتحفظ لها حرياتها وتكرس مسؤولياتها.

وفى غضون ذلك، تزدهر أنماط الأداء المنفلتة والحادة، وتجد طريقاً للرواج والشهرة؛ فتُعمق من «احتقار الجمهور» للمجال الإعلامى وللجماعة الإعلامية، وتبرر أى إجراءات للقمع، وتحول آمال إصلاح المجال الإعلامى إلى مجرد رجاء لإيجاد وسيلة لضبط انفلاتاته.

فى 31 أكتوبر 2010، نشرت فى هذه الزاوية أيضاً مقالاً بعنوان «ورقة سياسات تطويع الإعلام»، وهو المقال الذى يمكن أن ينشر الآن من دون تغييرات كبيرة؛ إذ كانت آخر عبارة فيه تقول: «الجمهور سيفقد الثقة فى إعلام مُعلّب ينقل صوراً مفبركة ستكذبها الوقائع، وسيعتمد على منظومة إعلام غير وطنية، أو سيعاقب السلطة والإعلام النظامى باللجوء إلى فضاءات الإنترنت وتداول الشائعات».

أكبر مشكلة يواجهها عدد من الزملاء الكتاب الآن أنهم باتوا مضطرين إلى استدعاء أشياء كتبوها فى السنوات الأخيرة من عمر نظام مبارك للتعبير عن مواقفهم من أحداث تجرى اليوم.

فإذا كان هناك من يسمع ويفهم ويعى.. فإنه لأمر جلل.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية