فى الرباط كان الموعد، وكان قد تحدد اللقاء فى الثامنة مساء (١٦ سبتمبر ٧٧)، وكما يحكى ديان: دخلتُ قاعة الاجتماع لأجد نفسى فى صحبة الملك والدكتور التهامى ومجموعة بارزة من كبار الشخصيات المغربية، بينما لم يكن معى سوى إسرائيلى واحد هو حلقة الاتصال مع المغرب. وقد قدمنى الملك رسمياً إلى الدكتور التهامى، وكان يبدو ذا شخصية مؤثرة، بلحية فضية مهذبة تناقض تحمسه وغليانه. وكان مظهره ينمّ عن الثقة بالنفس والنفوذ، ويستخدم لهجة تتسم أحياناً بالعدوانية كما لو كان يرد على إهانة لحقت به.
قال إنه يحمل رسالة من الرئيس السادات يود أن يتلوها أمامى. وقد قرأها فى لهجة واضحة ومحددة، وكانت تتضمن الشروط الكاملة لمشروع السلام المصرى. وبعد ذلك أنهى الرسالة بتصريح مفاجئ قائلا: هذه شروطنا ولكم أن تقبلوها أو ترفضوها، ولكن ليس هناك مجال لأى مساومة. ولم أقل شيئا، وتم تأجيل المناقشة إلى عشاء عمل استمر أربع ساعات وانتهى فى الثانية صباحا. وأثناء ذلك استأذن الملك وتركنا بمفردنا وأصبح فى مقدورنا تبادل أحاديث غير رسمية.
وخفف التهامى من موقفه المتشدد بشكل واضح عندما بدأت فى توجيه الأسئلة إليه، ونما لدى انطباع بأن التهامى يهتم يقينا بإقرار السلام. وكان يطغى على حديثه مبدأ واحد يسترشد به، وهو إقرار السلام مقابل انسحابنا التام من الأراضى التى تم احتلالها فى ٦٧، وأنه لابد أن تكون السيادة العربية مطلقة، وأن يرفرف العلم العربى على هذه المناطق بما فيها القدس الشرقية. وقال أيضا إن السادات وحسنى مبارك، نائب الرئيس، هما الوحيدان اللذان يعلمان بهذا الاجتماع الذى لابد أن يظل سريا، بل حتى الأمريكيون لا ينبغى أن يعلموا به، فحياته متوقفة على بقاء الأمر سراً.
يقول ديان: وبعد عودة الملك استأنفنا الحديث بصورة رسمية، فقال التهامى إن السادات جاد تماما فى سعيه من أجل السلام، وإن علينا أن نبحث معا كيف نعمل على تحقيقه. وأضاف التهامى أن السادات مستعد أن يناقش معنا كافة الضمانات الممكنة. ثم اقترح أن يتم فى المغرب إجراء المفاوضات والتوصل إلى اتفاق يتضمن كل ما يهمنا، وأن يتم ذلك قبل مؤتمر جنيف الذى كان يجرى بحث انعقاده، بحيث يكون الذهاب إلى جنيف لمجرد التوقيع، وإن من شأن ذلك أن يترك أثره على الرئيس السورى حافظ الأسد. وبطبيعة الأمر- قال التهامى- فإن الأسد سيعارض مثل هذا الاتفاق فى البداية، ولكن بعد انضمام الملك حسين إلينا فإنه لن يلبث أن يشاركنا فى عملية السلام.
واقترح التهامى أن يضع كل منا وثيقة للسلام ويعرضها على الولايات المتحدة، ثم يقوم كل طرف بدراسة عرض الآخر بعناية، ثم نلتقى مرة أخرى لمناقشتهما فى حالة إذا ما وافق بيجين على مبدأ الانسحاب مقابل السلام، وإلا فإن جميع النوايا المخلصة لدى مصر سيكون مصيرها الفشل لأن السادات يرى أن سيادة أراضيه أمر لا يقبل المناقشة، وأنه- السادات- رغم أنه لن يوقع معاهدة سلام نهائية منفردة دون اشتراك أصدقائه، إلا أنه كان على اقتناع بأن التوفيق سيحالفه فى إقناع الأردن وسوريا لتحذوا حذوه. كما أثار التهامى عدة نقاط أخرى كانت القدس إحداها، واقترح أن نلتقى فى المغرب مرة أخرى بعد دراسة الوثيقتين، على أن أحمل معى رد بيجين على طلب السادات.
يقول ديان فى مذكراته: وجاء دورى فى الحديث، وقد حاولت لأن الوقت كان متأخرا أن أتحدث فى إيجاز، فقلت لهما (الملك والتهامى) إن مهمتى أن أنقل لبيجين ما سمعته لأننى مجرد رسول له، لكن ذلك لا يمنع من أن أستوضح هل طلب السادات التزام بيجين بالانسحاب من الأراضى، وأعده شرطا مسبقا لإجراء أى مناقشات فيما بعد، أم مجرد دليل يسترشد به بيجين فى الاجتماعات المقبلة فى المغرب؟ وهل ستوافق مصر على هذه الاجتماعات حتى لو رفض بيجين الانسحاب التام؟
وتوتر الجو عندما قال التهامى إن ما نطلبه من بيجين هو التزام محدد بالانسحاب من الأراضى. وتدخل الملك وكان التهامى قد أشار إلى عدم مصافحة السادات بيجين عند لقائه، فقال الملك: إن ما أعرفه عن طريقة تفكير السادات يجعلنى أعد بشرفى أنه عندما يجتمع مع بيجين سيصافحه إذا ما استطاع بيجين أن يلتزم شخصيا بأن يكون أساس المباحثات الثنائية هو انسحاب إسرائيل من الأراضى.