لغز «التهامى» مبعوث السادات لديان!
رغم عشرات الكتب التى تضمنت قصة زيارة السادات إلى القدس والمباحثات المضنية التى أعقبت الزيارة وهددها الفشل فى كامب ديفيد، لولا تدخل الرئيس الأمريكى السابق كارتر الذى كان ملما بكل التفاصيل، وبعد رؤية أنورالسادات وأيضا شجاعة رئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجين، مما جعلنى أقول بعد أن قرأت معظم ما نشر عن حربى السلاح والسلام، إنه لولا تصادف وجود الثلاثة معا فى توقيت واحد: السادات وكارتر وبيجين لما تم استكمال تحرير سيناء.
مع ذلك لابد من الاعتراف بأن البداية كانت من أنور السادات الذى أعلن مفاجأته التى فجرها يوم 9 نوفمبر 77 عندما أعلن استعداده لزيارة الكنيست الإسرائيلى، وقد تصورنا يومها أنه قام بمغامرة قفز فيها إلى المجهول حسابات أو استعداد أو طلائع تستكشف الطريق المجهول الذى ألقى نفسه فيه، ومن هنا كان دور الرجل الغامض الذى أرسله السادات فى مهمة سرية للقاء موشى ديان وزير خارجية إسرائيل. وقد تم اللقاء فى المغرب، ولكن لم يتضمن ما نشر بأقلام المصريين تفاصيل هذا اللقاء.
على العكس من ذلك أحيطت بالشكوك شخصية حسن التهامى الذى تولى المهمة الغامضة والسرية، فقد قيل عنه إنه كان يحدث أثناء وجوده فى اجتماع أن يفاجئ الجميع بالنظر إلى ناحية فى الغرفة، ويقول بصوت مرتفع «وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته» وكان يقول إذا سئل إنه كان يرد تحية سيدنا الخضر أثناء مروره.
ويحكى الفريق كمال حسن على رئيس جهاز المخابرات عام ٧٧ أنه سافر مع حسن التهامى إلى المغرب إلا أنه ذهب وعاد دون أن يعرف سبب السفر ولا ماذا فعل حسن التهامى الذى أخفى سر مهمته حتى عن رئيس المخابرات المصرية!. أما بطرس غالى فقيل إنه خلال رحلته مع السادات إلى كامب ديفيد وكان حسن التهامى من بين أعضاء الوفد مع الرئيس السادات فإن بطرس غالى شكا من التهامى لأنه عندما ينفرد به يحاول إقناعه بالتحول إلى الإسلام. ويكتب إبراهيم كامل وزير الخارجية، فى ذلك الوقت فى كتابه «السلام الضائع»- وهو العنوان الذى وضعه له الزميل عمرو عبدالسميع- «إن حسن التهامى إلى جانب عدم تخصصه فى طبيعة ما نمارسه، كانت له آراء فريدة من نوعها لا أستطيع ولا غيرى أن يرقى إلى مستوى فهمها بسهولة». وكان الغريب أنه بينما كان كبار أعضاء الوفد مثل وزير الخارجية إبراهيم كامل وبطرس غالى وزير الدولة يشتركان معا فى الإقامة فى «بنجلو» واحد فى كامب ديفيد، وكذلك كان باقى أعضاء الوفد يشتركان كل اثنين وأحيانا ثلاثة فى بنجلو واحد، فقد كان حسن التهامى الوحيد من بين أعضاء الوفد الذى خصصت له استراحة يقيم فيها بمفرده (إبراهيم كامل السلام الضائع- ص ٤٣٩).
ويحكى إبراهيم كامل أن حسن التهامى ما إن يعود مساء من جولاته المجهولة ويدخل عليهم، حتى يحيل الاستراحة إلى جو من البهجة والدعابة ويشد الانتباه بالأخبار المثيرة التى يحكيها، فيقول مثلا إن موشى ديان قد وافقه منذ ساعة على عودة القدس إلى العرب، وبعد ذلك يحكى كيف حل مشكلة المسلمين فى الفلبين، وكيف عالج نفسه من السم الزعاف الذى دس له فى الطعام أثناء إحدى زياراته لبعض الدول العربية، ثم يتكلم عن فوائد العنبر الذى يستخرج من كبد الحوت وعن مزايا عسل ملكات النحل. ثم يتوقف فجأة ويتكلم عن القدس ويخاطبنى قائلا القدس أمانة فى رقبتك يا أخ محمد فحذار أن تفرط فيها. وفى أحد الأيام دخلنا غرفة الطعام فوجدنا حسن التهامى واقفا بالقرب من إحدى موائد الطعام المخصصة للوفد الإسرائيلى وقد التف حوله العديد من الإسرائيليين يستمعون إليه ويناقشونه فى اهتمام، وتبين أن التهامى أخبرهم بأن فى مقدوره إيقاف قلبه عن الحركة إلى أى وقت يشاء (ص٤٣٩ -٤٤٠).
اسمه الكامل عبدالرحمن حسن التهامى، وهو من مواليد «أجهور الرمل» مركز قويسنا بمحافظة المنوفية فى ٢٦ إبريل ١٩٢٤(توفى عام 2009)، وقد تخرج فى الكلية الحربية عام ١٩٤٢ وانضم إلى الضباط الأحرار ضمن الخلية التى ضمت جمال عبدالناصر وكمال رفعت. وقد شارك فى عمليات الفدائيين فى منطقة قناة السويس ضد الإنجليز، وبعد ثورة ٥٢ كان من المقربين إلى عبدالناصر وبعد ذلك السادات الذى أرسله فى مهمة سرية للقاء موشى ديان فى المغرب، وظل بعد ذلك مرافقا للسادات فى جولات السلام التى قام بها. ولولا ما كتبه موشى ديان فى كتابه عن تفاصيل «حرب السلام» لما عرفنا عن حسن التهامى والصورة المختلفة تماما عنه، وإلى الأسبوع القادم بإذن الله.