اعتبر الرئيس القبرصى نيكوس أناستاسيادس أن الاحتياطى المهم للنفط والغاز فى شرق المتوسط يمكن أن يكون بمثابة محفز للتعاون الإقليمى وتعزيز السلام والاستقرار بين قبرص ومصر واليونان. وأضاف أن مصر تعتبر السوق الواعدة للغاز الطبيعى المكتشف فى المنطقة الاقتصادية فى قبرص. مشددا على أن التعاون الثلاثى بين مصر وقبرص واليونان سيحدث ثورة فى طريقة التعامل التقليدية مع القضايا فى المنطقة.
وطالب الرئيس القبرصى، فى حوار أجرته «المصرى اليوم» ، تركيا بإظهار إرادة سياسية حقيقية لتسوية` المشكلة القبرصية، من خلال إجراءات عملية حقيقية لإعادة توحيد الجزيرة المقسمة منذ 40 عاما.
■ كيف تقيّم جهود تقوية العلاقات «المصرية- القبرصية- اليونانية» وتأثيرها على مختلف القضايا الإقليمية؟
- كما تعلم، هذا هو أرفع اجتماع للتشكيل الثلاثى خلال فترة أقل من 6 أشهر، الأول كان فى نوفمبر الماضى بالقاهرة، وكانت العاصمة القبرصية نيقوسيا سعيدة لاستضافة هذا الاجتماع، ورحبت بحرارة بقادة مصر واليونان. كان لدينا جدول أعمال حافل ويوم مثمر ملىء بالاجتماعات، التى تضمنت متابعة لإعلان القاهرة المعروف باسم «إعلان نيقوسيا».
ويشمل هذا التشكيل الثلاثى أوجه من التعاون فى مختلف المجالات الواسعة، مثل المبادرات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية والسياحية ومجالات الطاقة، والتنسيق حول القضايا الإقليمية والدولية، بما فى ذلك تحديات مثل الإرهاب وتنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش).
ونؤمن أنه إذا ما اشتركت الدول الثلاث فى منطقة شرق البحر المتوسط، فسيكون لدينا التزام للعمل من أجل تعزيز السلام والأمن والاستقرار والرخاء وكذلك رفاهية شعوبنا. وتهدف شراكتنا لمناقشة ومعالجة القضايا ذات الاهتمام الإقليمى المشترك. وعلاوة على ذلك، أود أن أؤكد أن شراكتنا مفتوحة أمام الدول الأخرى فى المنطقة التى ترغب فى المشاركة بطريقة أو بأخرى، والتى ترغب فى المساهمة فى تحقيق الأهداف والقيم والمصالح التى تقوم عليها أسس التعاون بيننا.
■ ترى بعض وسائل الإعلام أن التعاون يهدف لاحتواء طموحات تركيا فى المنطقة.. هل تتفق مع ذلك الرأى؟
- كما ذكرت من قبل، تؤكد شراكتنا حقيقة أن التعاون الثلاثى يمكن أن يكون بمثابة نموذج للحوار والتعاون الإقليمى على نطاق أوسع، وأن تلك الآلية الثلاثية ليست موجهة ضد أى بلد آخر فى المنطقة. وعلاوة على ذلك، فإننا ندعو دول المنطقة للانضمام إلى جهودنا الجماعية لمواجهة التحديات المشتركة ومتابعة الفرص المشتركة. وتهدف عملية التشاور الثلاثى بيننا إلى العمل نحو إطلاق الإمكانات الكاملة فى منطقتنا من أجل مصلحة شعوب دولنا الثلاث والمنطقة بأسرها، وفى نهاية المطاف يهدف إلى تحقيق منطقة سلام واستقرار فى شرق البحر الأبيض المتوسط.
■ ما هى نقاط القوة فى التعاون الثلاثى (اليونان- مصر- قبرص) من وجهة نظرك؟
- هذا التعاون لديه القدرة على إحداث ثورة فى الطريقة التى نتعامل بها تقليديا مع القضايا فى منطقتنا. وبالنظر إلى الترابط فى عالمنا اليوم، فنحن بصدد تأسيس آلية التعاون للوصول إلى آفاق جديدة مختلفة من التعاون على المستويات السياسى والاقتصادى والتقنى أيضا. بخلاف نقاط التعاون القائمة بالفعل فى مجال تبادل السلع وكذلك المشاكل والتحديات المشتركة.
هذه القمة رفيعة المستوى على مستوى القادة الثلاثة، تبعتها العديد من الاجتماعات المماثلة الأخرى ذات الطابع الثلاثى بين الوزراء من مختلف الاختصاصات، ونحن نهدف إلى التنسيق والتعاون فى العديد من القضايا الممكنة للوصول إلى الحد الأقصى من التعاون والشراكة. الاتحاد سيساعدنا على تحقيق أكثر من ذلك بكثير، بما فى ذلك رؤيتنا فى نهاية المطاف، من تحويل البحر الأبيض المتوسط إلى منطقة للسلام والازدهار والعلاقات الجيدة مع دول الجوار، فضلا عن جعل المتوسط مساحة ديناميكية تعمل على تسهيل التجارة والسياحة والترابط فى العديد من المجالات المختلفة.
■ ما هى أسباب فشل كل الجهود الدولية حتى الآن فى حل المشكلة القبرصية منذ التدخل العسكرى التركى، عندما احتل الجيش التركى حوالى 36٪ من الجزيرة فى يوليو من عام 1974؟
- مرت 40 عاما على الغزو التركى واحتلال الجزء الشمالى من جزيرتنا، ولا تزال مشكلة قبرص بلا حل حتى الآن، وأعتقد أن الوقت قد حان لجميع المعنيين لإدراك أن التوافق المصطنع على الوضع الراهن لن يكون فى صالح أحد. الحل فى مصلحة الجميع، قبرص وتركيا، وكذلك الإقليم، وبالطبع المجتمع الدولى بأكمله. إذا كان لدى الطرفين رؤية حقيقية وقدر من الالتزام والعمل الجاد الذى يعكس الإيمان الحقيقى فى إعادة توحيد الجزيرة وشعبها، فإنه سيتم التوصل إلى الحل الأمثل بلا شك قريبا.
ومع ذلك، لكى تكون عملية التفاوض ناجحة، يجب على جميع الأطراف أن تظهر نفس المستوى من الالتزام والعزيمة، لأن ما نحتاج إليه الآن هو تنفيذ جميع التدابير التى من شأنها استعادة الثقة، وليس التدابير التى تزيد من عدم الثقة بين المواطنين فى الجزيرة، من خلال أية إجراءات تنتهك القانون الدولى.
ولابد أن ألفت النظر إلى أحد التطورات الهامة التى حدثت الأحد الماضى، فقد كان لدينا تغيير فى القيادة القبرصية التركية، مع ظهور السيد مصطفى أكينسى كزعيم جديد، وأتطلع إلى الاجتماع معه قريبا واستئناف عملية المفاوضات.
وأشدد على أننا نتوقع أيضا من تركيا إظهار إرادة سياسية حقيقية لتسوية المشكلة القبرصية، والمساهمة بشكل بنّاء فى الجهود الرامية إلى التوصل إلى تسوية فى أقرب وقت ممكن، وليس فقط من الناحية النظرية والخطابة، ولكن من خلال إجراءات عملية حقيقية. وأكرر، بالأصالة عن نفسى، رغبة بلدى الصادقة وعزمها على العمل دون كلل لتحقيق تسوية بشأن توحيد قبرص. فهى مسؤولية مشتركة تاريخيا من قبل زعماء الطرفين وأصحاب المصلحة المعنيين بدعم هذه الطموحات وإيجاد الطريق المناسب للمضى قدما. هذه مسؤولية على عاتق الجميع وأتعهد بتحملها بكل إخلاص.
■ هل تتوقع أن يأتى اليوم الذى تنضم فيه تركيا إلى الاتحاد الأوروبى؟
- قبرص تدعم مساعى تركيا فى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى. ونحن نتطلع إلى اليوم الذى تنحاز فيه تركيا إلى القانون الدولى والأوروبى، وتحظى بالمكتسبات المجتمعية الأوروبى فى استعادة واحترام مبادئ حسن الجوار.
■ هل تعتبر اكتشاف الغاز الطبيعى فى البحر المتوسط عاملا محفزا للعلاقات بين مصر وقبرص؟
- اكتشاف الاحتياطى المهم للنفط والغاز فى شرق البحر المتوسط، فضلا عن إمكانية اكتشافات مماثلة فى المستقبل، يمكن أن تكون بمثابة محفز للتعاون الإقليمى وتعزيز السلام والاستقرار فى منطقتنا. ويمكن أن يسهم الأمر أيضا فى التنمية الاقتصادية لبلداننا ورفاهية شعوبنا. وتم الاعتراف بالدور المحفز الذى تلعبه اكتشافات النفط والغاز فى إعلان نيقوسيا الذى اعتمد فى 29 إبريل الماضى، فى أعقاب اجتماع قمة منتدى التعاون الثلاثى بين قبرص ومصر واليونان.
وفيما يتعلق بالتعاون الثنائى فى مجال الطاقة، أود أن أسلط الضوء على حقيقة أن اقتصاد مصر الناشئ يعتبر السوق الواعدة للغاز الطبيعى المكتشف فى المنطقة الاقتصادية فى قبرص.
وتحقيقا لتلك الغاية، تم التوقيع على مذكرة تفاهم بين البلدين فى فبراير الماضى، وتنص على تصدير الغاز الطبيعى من حقل أفروديت لاثنين من محطات الغاز الطبيعى المسال فى مصر من خلال خط أنابيب بحرى مباشر.
وتوكل مذكرة التفاهم الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية وشركة الهيدروكربونات فى قبرص لإجراء دراسة فنية فيما بعد، حيث سيتم استئناف المناقشات لدراسة جميع الجوانب ذات الصلة من أجل إبرام اتفاق نهائى، لأن القضية بالفعل فى مرحلة مفاوضات متقدمة. هذا التطور يعزز العلاقات الثنائية الممتازة التى تتمتع بها قبرص تقليديا مع مصر، وتأتى نتيجة سلسلة من الاتفاقات الثنائية المهمة بين بلدينا مثل الاتفاق على ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية لكل دولة والاتفاق المتعلق بتطوير خط الموارد الهيدروكربونية، عبر البحر المتوسط.
■ التعاون الاقتصادى بين البلدين غير كافٍ.. كيف يمكن فتح آفاق جديدة للتعاون ورفع مستوى العلاقات الاقتصادية فيما بينهما؟
- اتفق زعماء كل من اليونان وقبرص ومصر، خلال القمة الثلاثية الثانية فى نيقوسيا، على تعزيز التعاون على المستوى الاقتصادى، وعقب التوقيع على مذكرة التعاون فى مجال السياحة، فى أكتوبر الماضى، وافقت الدول الثلاث على مواصلة العمل معًا بشكل وثيق بهدف تسهيل وتعزيز التعاون فى مشاريع مشتركة، بمشاركة الجهات الحكومية والخاصة، بما فى ذلك تطوير مشروعات سياحية مشتركة، ورحلات بحرية، وتعزيز الاتصال البحرى بين الدول الثلاث لنقل البضائع والركاب، على حد سواء.
وعلى الصعيد الثنائى، اتخذت قبرص ومصر خطوات مهمة للغاية فى قطاع الطاقة، ففى فبراير 2015، وقعت الدولتان مذكرة تفاهم بشأن التعاون فى مجال النفط والغاز، والتى بدورها تسمح للشركة المصرية القابضة للغاز الطبيعى (إيجاس)، وشركة الهيدروكربونات القبرصية المحدودة بدراسة الحلول التقنية لنقل الغاز الطبيعى من حقل الغاز «أفروديت» من قبرص إلى مصر.
كما أعربت قبرص ومصر عن رغبتهما القوية فى مواصلة تعزيز الاستثمارات من أجل توطيد العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وتوفر قبرص، كعضو فى الاتحاد الأوروبى، وعضو فى منطقة اليورو- فرصًا كبيرة للاستثمار فى مختلف المجالات. وهذا العام، تم الإعلان عن مشروع مهم للغاية فى قبرص من قبل المستثمرين المصريين بقيمة 220 مليون يورو لبناء ميناء وفندق ضخم وفيلات وشقق فى منطقة «أيا نابا»، كما نتوقع زيادة الاستثمارات القبرصية فى مصر فى المستقبل القريب بسبب التطور السريع للاقتصاد المصرى.
وعلاوة على ذلك، تبحث البورصتين المصرية والقبرصية إمكانيات توسيع نطاق تعاونهما، الذى يقوم على أساس مذكرة تفاهم متعلقة بالأمر، تم توقيعها فى 2008، ويشمل التعاون بين البورصتين مختلف المجالات، بما فى ذلك الخدمات الاستشارية، وتبادل معلومات، وكذلك عدد من القضايا المهمة الأخرى فيما يتعلق بأسواق رأس المال.
■ هل لا تزال قبرص تعانى من تداعيات الأزمة المالية.. وما ردك على أولئك الذين كانوا يتوقعون إعلان البلاد إفلاسها؟
- وقعّت الحكومة القبرصية، فى أعقاب الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة، اتفاقًا فى 2013، شمل حزمة قروض قيمتها 10 مليارات يورو من صندوق النقد الدولى، والبنك المركزى الأوروبى، والمفوضية الأوروبية. وبالفعل حققت البلاد تقدمًا كبيرًا فى برنامجها الإصلاحى، خلال العامين الماضيين، حيث تمت إعادة هيكلة المؤسسات الائتمانية بشكل كامل، وتم إلغاء القيود على رأس المال، كما أننا بدأنا فى خارطة طريق لعمليات الخصخصة، وهذه الإنجازات ساعدت قبرص على إعادة أسواق رأس المال الدولية إلى البلاد فى 2014.
وفى الوقت نفسه، ندرك التحديات المقبلة، فنسبة البطالة مرتفعة، والقطاعان العام والخاص مثقلان بالديون، وتكثف مؤسسات الائتمان جهودها للتعافى بسبب ارتفاع نسبة القروض المتعثرة. حكومتى واثقة من أن التشريعات التى تم اعتمادها مؤخرًا على القانون الرهن، والإطار التنظيمى للتعثر- مهمة للغاية فى معالجة قضية القروض المتعثرة.
تركيزنا الآن ينصب على الإصلاحات الهيكلية اللازمة، وتركز الحكومة بالتحديد على الإصلاحات الهيكلية الإدارية مع الهدف العام المتمثل فى وضع الأسس لتحقيق النمو المستدام على المدى الطويل، وجذب الاستثمار الأجنبى المباشر، وخلق نموذج اقتصادى جديد للبلاد. وأرى أن الأولوية الاقتصادية القصوى لحكومتى الآن هى العودة التدريجية لأسواق رأس المال، وإنهاء برنامج التكيف الاقتصادى الكلى، ولدى ثقة مطلقة بأن روح الوحدة، والرغبة فى النجاح التى أبداها الشعب القبرصى ستنتصر فى نهاية المطاف. ونحن على ثقة من أن الانتعاش الاقتصادى سيتحقق بسرعة، ويستند هذا الاعتقاد إلى وجود مزايا تنافسية كبيرة لاقتصادنا، وعلى قطاعات التنمية الموجودة، فضلًا عن ظهور قطاعات جديدة للنشاط الاقتصادى مثل السياحة، والخدمات المهنية، والتعليم، وتكنولوجيا المعلومات، والاتصالات، وقطاع الطاقة.
■ كيف تقيمون عملية «عاصفة الحزم»، التى تبنتها 11 دولة عربية ضد المتمردين الحوثيين فى اليمن.. وكيف تنظرون إلى الدعم الإيرانى للحوثيين؟
دعمت قبرص قرار جامعة الدول العربية اتخاذ إجراءات حاسمة للرد على طلب الرئيس اليمنى الشرعى عبد ربه منصور هادى، وتشكيل القوة العسكرية العربية المشتركة، ونعرب عن دعمنا القوى للحكومة الشرعية فى اليمن، والحفاظ على وحدة البلاد وسلامة أراضيها، فالجهود المبذولة بقيادة الأمم المتحدة، لاستئناف المفاوضات الشاملة دون شروط مسبقة هى السبيل الوحيد للمضى قدمًا. ونؤكد على ضرورة التصدى بحزم لتهديد الجماعات الإرهابية المتطرفة المتواجدة فى اليمن، فالوضع المتدهور فى صنعاء يهدد بزعزعة استقرار منطقة الخليج، والقرن الأفريقى، والبحر الأحمر، ومنطقة الشرق الأوسط على نطاق أوسع.
■ فى رأيك.. متى تغير الموقف التركى تجاه السياسات المصرية والرئيس عبدالفتاح السيسى؟
- العلاقات «المصرية- التركية» تدهورت تدريجيًا منذ الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسى، فى أعقاب ثورة كبيرة من الشعب المصرى. وتركيا لم تحترم إرادة المصريين، واتخذت عددًا من الإجراءات السلبية، وأطلقت قيادتها العديد من التصريحات التى تعتبر تدخلا فى الشؤون الداخلية لمصر.
■ فى رأيك ما الرسائل التى تحملها القمة الثلاثية للعالم من نيقوسيا؟
- القمة الثلاثية الثانية فى نيقوسيا تعزز البعد المؤسسى للشراكة بين مصر واليونان وقبرص، وتبنى إطارًا أقوى لتعاون أوسع ومتعدد الأوجه فى شرق البحر الأبيض المتوسط بشكل تدريجى، وأعتقد أن هذه المبادرة لن تستفيد منها بلداننا وحدها، ولكن المنطقة بأثرها، مما يشكل تحديًا لقدرتنا على مواصلة بناء جسور من التعاون، لمعالجة التحديات الإقليمية والدولية وضمان السلام والاستقرار فى المنطقة.