x

عمال الرخام يواجهون «البتر» و«التحجر الرئوي».. و«الصين»

الجمعة 01-05-2015 12:08 | كتب: محمد أبو العينين |
واحدة من ورش الرخام فى منطقة شق الثعبان واحدة من ورش الرخام فى منطقة شق الثعبان تصوير : محمود عبد الغني

غبار كثيف يتطاير حاجبًا الرؤية أحيانا عن السيارات المارة على طريق «أوتوستراد المعادى»، بينما تصطف «التريلات» ومقطورات النقل الثقيل على جانبى الطريق، تنتظر دورها في تفريغ حمولتها أو تلقى حمولة جديدة.. هنا «شق الثعبان»، واحدة من أهم خمس مناطق مصنفة عالميًا في إنتاج الرخام.

«المصرى اليوم» قامت بجولة داخل ورش منطقة شق الثعبان، التي يكفى اسمها لإثارة الخوف، لتعدد الشكاوى التي تفيد بوجود تجار مخدرات وبلطجية يسميهم العاملون بالورش «العرب» يقومون بفرض إتاوات على السيارات، مما يخيف زائرى المنطقة وأصحاب الورش فيها. حسبما قال «أحمد إسماعيل»، صاحب إحدى الورش لـ«المصرى اليوم».

الطريق لشق الثعبان يمر بمدق غير ممهد يبدأ من طريق الأوتوستراد، تنتشر على جنباته ورش صناعة الرخام، بينما تسير سيارات المياه في الطريق، لتنقل الماء إلى الورش التي تحتاجه لتقطيع المادة الخام.

داخل إحدى الورش يحاول مجموعة من العمال وضع «بلوك رخام» أسفل ماكينة التقطيع، لتحديد السمك المراد، دقائق ويبدأ معها ضجيج «ماكينة النشر»: «تستغرق الماكينة 6 أيام لتقطيع البلوك»، يقول أحمد سمير، تاجر رخام، مؤكدًا أن الآلات الصينية الحديثة تستغرق 8 ساعات فقط لتقطيع نفس الكمية «لكن ثمنها مرتفع» وهو ما يبرر في رأيه عدم إقبال أصحاب الورش على شرائها.

يسرد سمير عددا من مشكلات «شق الثعبان»، منها غياب المياه والكهرباء، بالإضافة لارتفاع أسعار السولار اللازم لتشغيل الماكينات، وزيادة الرسوم المفروضة على سيارات النقل التي تدخل إلى المنطقة عبر بوابة الرسوم الموجودة في مدخل المنطقة. ويضيف: «هذه المنطقة مصنفة عالميا، والرخام الذي يخرج منها مطلوب. من هنا تنتج مصر 56 نوعا من الرخام، ولكن لا يوجد اهتمام حكومى بالصناعة، فمن غير المنطقى ألا يوجد مياه للشرب أو للعمل».

لا يمر يوم إلا وقد سجلت حالة إصابة جديدة، تصل إلى بتر اليد أو الساق، وربما كذلك إلى الوفاة، كما يروى محمد عارف، نقيب العاملين بالرخام والجرانيت. فغياب التأمين واعتماد أغلب الورش على «العمالة المؤقتة» يضيع حق العمال في التعويض.

«سجلنا 16 حالة إصابة الشهر الماضى»، يقول «عارف» الذي يرى صناعة الرخام والجرانيت «مهنة خطرة لكن الدولة لا تنظر لها». ويضيف: «من مخاطرها أن أغلب العمال مصابون بالتحجر الرئوى نتيجة استنشاق غبار الرخام المنشور». ويوضح: «الرخام في الأساس عبارة عن كربونات كالسيوم، وحين يقوم العامل بنشر البلوكات الخام، يتطاير الرذاذ في الهواء ويستنشقه العامل. ولذلك الحد الأقصى لعمر العامل هنا لايزيد عن 45 عامًا، بعدها يجد صعوبة في التنفس». يقول أحمد سمير صاحب إحدى الورش: «لايوجد هنا وحدة صحية أو إسعاف. في أحيان كثيرة يتعرض العمال لإصابات خطيرة، تسبب عاهات مستديمة».

ورغم تعدد الإصابات وحالات الوفاة بحسب شهادات العمال وأصحاب الورش فإن أغلب العمال لا يزالون غير مؤمن عليهم. يقول محمد عبدالكريم، صاحب محجر: «ثقافة العامل المصرى سيئة في تلك النقطة، إن قلت له سيتم التأمين عليك مقابل خصم 20% من الراتب، يرفض ويطلب الحصول على الراتب كاملًا ولايهتم بالتأمين». لكن محمد عارف، نقيب العمال، يقول إن أصحاب الورش يرفضون التأمين على العمال لأن أغلب العمالة «متسربة»: «فى أي لحظة ممكن العامل يغادر الورشة، ويذهب لأخرى لمجرد زيادة 5 جنيهات في الأجر». ويضيف: «لدينا حالات إصابة يومية، وفى إحدى المرات تم بتر ساق لعامل، وحالات عديدة مسجلة في مستشفى قصر العينى توفيت نتيجة سقوط بلوكات عليها».

يضيف عارف: «النقابة لا تزال وليدة، عمرها 5 أشهر فقط، وتحاول تقديم خدمات للعمال، خاصة التأمين عليهم، ومتابعة مستحقاتهم، لأن أغلب العمال ليست لديهم ثقافة عمل. ولذلك نقوم بمشاريع تطوير وتدريب مع اتحاد الصناعات لإعادة تأهيلهم».

سوء ظروف العمل وضعف الكفاءة والتدريب لدى العمال كانا من عوامل تهديد مهنة استخراج وصناعة الرخام والجرانيت منذ ازدادات المنافسة الدولية في هذا المجال، لكن قانون الثورة المعدنية الجديد الذي أقره الرئيس السيسى في ديسمبر الماضى كان له أثره الذي لا يرحب به أرباب الصناعة. فلا يخفى العمال وأصحاب الورش تخوفهم من زيادة الرسوم في قانون الثروة المعدنية الجديد، بعدما تسبب القانون نفسه في توقف عدد من المحاجر خاصة في أسوان، وتهديد محاجر أخرى في المنيا والسويس وسيناء بالتوقف اعتراضًا على القانون.

لكن القانون وسوء الأحوال ليسا المشكلتين الوحيدتين اللتين تهددان صناعة الرخام والجرانيت في شق الثعبان، يقول محمود حسن، مُصنِّع رخام: «الصينين دخلوا المنطقة وسيطروا على عدد من الورش نتيجة الإهمال الذي نتعرض له، فلا يوجد رقابة أو قيود». يتخوف محمود من انتشار العمالة الصينية، ويعتبر وجودها مهددًا لبقائه في المهنة، ومثار تخوفه يكمن في أن العامل الصينى مؤهل ومدرب أكاديميًا، بينما تلقى هو «الصنعة» على يد «الأسطى» الذي تعلم منه، كما يقول. ويضيف: «الصينى يستأجر الورشة بلودر واحد دون أي معدات بـ 10 آلاف دولار في الشهر، وصاحب الورشة يتمنى هذا المبلغ، لأنه مكسب يعفيه من خطورة المهنة ومشاكل الحصول على المادة الخام من الجبل، وزيادة الرسوم المستمرة، ولذلك دخل الصينيين هنا وتحكموا في 70% من الورش والمصانع».

محمود فؤاد، صاحب توكيل معدات بورش شق الثعبان يقول: «الصينيون استغلوا جهل الدولة بالمجال، ودخلوا كمستثمرين، وبدأو في تصنيع الرخام وتصديره للخارج بمعايير وجودة أعلى من التي تنتجها الورش المصرية لأنهم مدربون وكفاءتهم أعلى».

تراجع حال الصناعة دفع بعض العاملين بها لاستغلال إحدى ثغرات القانون ليصدروا «بلوكات الرخام» المستخرجة من الجبال مباشرة دون إعادة تصنيعها. يقول أحمد سمير صاحب إحدى ورش التصنيع المصرية الباقية في منطقة شق الثعبان: «سلطنة عمان دولة ناشئة في صناعة الرخام لكنها تخطت مصر بأن تفادت تلك الثغرات ومنعت تصدير الخام، فأصبحت الآن تصدر إلى 16 دولة في العالم، رغم أننا نملك أنواع خامات أكثر». ويضيف: «الإنتاج المصرى سيئ، ولا يرقى للتصنيف العالمى، لأن ماكينات النشر التي نستخدمها تقطع الخامات وفق سمك محدد مرفوض عالميًا، وأغلب الورش لا تتمكن من شراء ماكينات حديثة بملايين الدولارات».

ويوضح عبدالرحمن نور، صاحب محجر جرانيت: «نعمل بآلات قديمة أو مستعملة نستوردها من الخارج قبل تكهينها، مما يرفع من تكلفة المنتج النهائية، نضطر لبيع متر الجرانيت بمبلغ 125 جنيها، ويبيعه الصينيون بنفس الجودة أو أفضل بمبلغ 100 جنيه فقط، لأن تكلفة الإنتاج عندهم أقل».

«المنافسة صعبة»، يقول أحمد سمير الذي يرى أنه: «رغم كل الانتقادات، فلولا وجود الصينيين لتوقفت المهنة، لأنهم عاملين رواج، وبيجبروا المصرى على المنافسة». ويكشف عن تأثر ورش الرخام في مصر بقرار الحكومة الصينية التي قضت بوقف المضاربات في الشقق في الصين، وقامت الحكومة بفرض ضريبة 30% من قيمة الشقة عند بيعها، وبالتالى قل اعتماد الصين على استخدام الرخام المصرى في واجهات العقارات، مؤكدا أن الصين هي المستورد الأكبر للرخام المصرى.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية