x

جمال طه روسيا واليمن.. ومثلث التوازن بالمنطقة جمال طه الأحد 26-04-2015 20:54


روسيا اهتمت بالموقع الاستراتيجى لليمن، ضمن محاولاتها إيجاد ركائز لاستعادة تواجدها كقوة عظمى بمنطقة الشرق الأوسط. ارتباط الحوثيين «القوة الصاعدة فى الدولة» بحليفتها إيران كان مبعثاً لاهتمام موسكو وتفاؤلها، لذلك لم تنتقد محاولاتهم للسيطرة على الدولة، بل اعتبرتهم إحدى القوى المعنية بتقرير مصير اليمن.. روسيا استقبلت محمد ناصر، وزير الدفاع الأسبق، الموالى للرئيس على صالح، فى زيارة غير معلنة 27 أكتوبر 2014، طمأنته لموقفها بعد اجتياح الحوثيين صنعاء، واحتلال كافة المنشآت والمؤسسات الرسمية للدولة.. عملية «عاصفة الحزم» أثارت انزعاج موسكو، فالتحالف السعودى الخليجى هو الذى مول، وشارك فى هزيمة الاتحاد السوفيتى بأفغانستان، والتى أدت لتفككه، وهو الذى يخوض الحرب ضد النظام السورى، الذى تدعمه روسيا وحليفتها إيران، كما أنه صاحب الثقل الرئيسى فى حرب تكسير العظام، التى يتعرض لها الاقتصادان الروسى والإيرانى المعتمدان على النفط والغاز، سواء بخفض الأسعار، أو المقاطعة.. نجاح التحالف فى حسم الصراع اليمنى باستخدام القوة، يفتح شهيته لتكرار العملية فى سوريا، خاصة مع مطالبة المعارضة بتنفيذ «عاصفة الحزم السورية»، انتصار التحالف أيضاً يضعف إيران، وقد يدفعها للتورط المباشر فى اليمن، ما يؤثر سلباً على دورها فى سوريا.. وهزيمة الحوثيين قد توفر المناخ الذى يدعم تمدد التنظيمات السنية المتطرفة، خاصة «القاعدة» و«داعش»، ناهيك من «الإخوان» الذين أيدوا التحالف.. كل ذلك فى مجموعه يوفر مبرراً لعودة النفوذ الأمريكى للمنطقة، وإجهاض محاولات الروس لاستعادة تواجدهم فيها.

قبل بدء العملية، غادر صالح مقر إقامته بعد تحذيرات روسية باحتمال تعرضه للقصف!! وبمجرد بدء الغارات اتصل لافروف، وزير الخارجية، بسعود الفيصل، مشدداً على وقف إطلاق النار واستئناف الحوار، وزير الدفاع السعودى حرص على استقبال السفير الروسى صبيحة اليوم التالى، للتأكيد على أن هدف العملية «استعادة الشرعية ووقف العدوان الحوثى»، لكن روسيا أعلنت موقفها الرسمى.. «الدعوة لوقف إطلاق النار، سيادة اليمن ووحدة أراضيه، الحل السياسى للأزمة»، بوتين أوفد بوجدانوف، مبعوثه الخاص لشرم الشيخ، لتسليم رسالة للقمة العربية، لكن الرد المتسرع لوزير الخارجية السعودى أجهضها.. التقديرات الروسية للموقف أكدت قدرة التحالف على الحسم، واتصالات بوتين بالرئيس الإيرانى روحانى عكست حجم القلق من انعكاسات ذلك على التوازن الراهن بالمنطقة، لذلك حرصت روسيا على موازنة مواقفها.. وجهت وحداتها البحرية لباب المندب، وبوتين وصف الرئيس هادى بـ«الهارب»، لكن اتصالات السفير الروسى بالرياض لم تنقطع معه منذ وصوله للمملكة، كما لم تنقطع اتصالات لافروف بنظيره العُمانى لتنسيق الجهود السياسية استثماراً لموقف السلطنة المحايد من أطراف الصراع.. روسيا شاركت بنصيب الأسد فى إجلاء البعثات الدبلوماسية والرعايا الأجانب من اليمن، سواء بالطائرات، أو على متن سفنها الحربية، عندما منعت السعودية الطائرات المدنية الروسية من دخول المجال الجوى لليمن بعد اتهام وزير خارجيتها لموسكو بأن طائراتها التى هبطت بصنعاء نقلت للحوثيين وصالح أسلحة وصواريخ وأجهزة اتصالات وقطع غيار دبابات، وما نشره موقع «ديبكا» الإسرائيلى بخصوص تدمير الغارات مركزاً للتجسس والتنصت جنوب اليمن، كانت تستخدمه المخابرات الروسية بالتنسيق مع صالح.

المعركة الدبلوماسية لم تقل ضراوة عن المواجهات الميدانية.. روسيا حرصت على التواصل مع الحوثيين، لكن رفضهم الحوار رداً على «عاصفة الحزم» أوقع موسكو فى مأزق دبلوماسى بمجلس الأمن، لذلك دعت فى المشروع الذى اقترحته إلى تطبيق «وقفات إنسانية» للغارات، سعياً لاجتذاب تعاطف دولى يخرج بالقضية عن إطارها السياسى، ويعطى الحوثيين مهلة لإعادة ترتيب أوضاعهم، وبالتالى الإبقاء على توازن القوى الذى يوفر مناخ التفاوض، لكن تفوق التحالف السعودى امتد للساحة الدبلوماسية أيضاً، ما أفشل المحاولات المبذولة لتأمين الأغلبية اللازمة لتمرير المقترح الروسى، موسكو لوحت باستخدام حق الفيتو ضد المشروع الخليجى المنافس، لا لتجهضه، فقد أدركت أن المعركة قد حُسِمَت، وعلى دول التحالف أن تُحسِن تقدير أهمية امتناعها عن التصويت.

بعد صدور قرار مجلس الأمن كان على روسيا تقديم دعم استراتيجى لحليفتها إيران، لذلك نفذت صفقة صواريخ S300 المؤجلة لدعم دفاعاتها الجوية فى مواجهة التهديدات المحتملة من الأطراف المعارضة للاتفاق الغربى، خاصة أن الضغوط التى أجلت تسليمها فقدت مبرراتها بعد التوصل للاتفاق، والملك سلمان اتصل ببوتن 20 إبريل.. اعتذار ضمنى عن عدم رد الفيصل على رسالته، وتعبير عن تقديره لموقفه «المسؤول» بمجلس الأمن، اتفقا على تطوير التعاون الثنائى، والتنسيق إقليمياً ودولياً، ووجه بوتين الدعوة للعاهل السعودى لزيارة موسكو، مبدياً استعداده لضمان أمن السعودية، وملمحاً لأهمية اتخاذ موقف إيجابى من الأوضاع فى اليمن وسوريا والعراق.

■ ■ ■

المرحلة القادمة فاصلة فيما يتعلق بإعادة ترتيب الأوضاع داخل المنطقة، ما يفرض علينا الحرص على علاقاتنا المتوازنة بمختلف القوى الدولية، وتفعيل دورها لصالح تحقيق الاستقرار والأمن.. مصر شاركت فى «عاصفة الحزم» لحماية الشرعية ومؤسسات الدولة اليمنية، والحفاظ على توازن القوى السياسية، ما يهيئ المناخ لتسوية الأزمة، تناقض هذا الموقف مع الموقف الروسى أصبح مادة للرصد والتصيد الإعلامى.. وقف روسيا استيراد البطاطس المصرية، رفض شحنة موالح، بطء الإجراءات التنفيذية لمشروع الضبعة، عدم الإعلان عن تنفيذ الصفقات العسكرية السابق الإعلان عنها، فشل تطبيق نظام المقايضة السلعية لحل أزمة السياحة الروسية لمصر، تأجيل اجتماع اللجنة الاقتصادية «الروسية- المصرية» المشتركة.. تفسيرات عدائية لتطورات طبيعية.. فظاهرة توقف أو رفض الصفقات تتكرر منذ سنوات دون علاقة بالمواقف السياسية، ومعدلات تنفيذ المشاريع والصفقات المشار إليها تدخل ضمن الأسرار الاستراتيجية والعسكرية للدولتين، وهى تتطور بشكل إيجابى.. وتحقيق أفضل نتائج من اجتماعات اللجان يفرض اختيار توقيتاتها، بحيث تبعدها عن مناطق الخلاف، وتحقق دفعة للعلاقات.. إذن فالتصيد يستهدف محاولة المساس بالعلاقة الاستراتيجية التى تجمع مصر وروسيا.. وبالتالى منع تكامل رؤوس مثلث إعادة التوازن للمنطقة موسكو- القاهرة- الرياض!!

التعديلات التى أجراها الملك سلمان على السلطة أكسبت السياسة السعودية صفة الديناميكية، وترجمت عناصر قوتها إلى واقع.. اعتذار ملك السويد ورئيس وزرائها عن انتقاد وزيرة الخارجية لأحكام القضاء السعودى، بمجرد استدعاء المملكة لسفيرها، نموذج لتلك الحقيقة.. مصر كذلك استعادت حيوية القيادة وفعالية المبادرة والدور الريادى، عناصر افتقدتها، وسط تجاعيد اختطتها بعمق، سنوات الشيخوخة التى حُفرت على وجه الرئاسة المصرية، وعكست تكلساتها على الدولة ومؤسساتها.. منطقتنا العربية لن تستعيد الاستقرار والأمن ووحدة التراب الوطنى قبل عودة التوازن الدولى الذى افتقدته بخروج الاتحاد السوفيتى من المعادلة، وانفراد الكاوبوى الأمريكى بالساحة.. مسؤولية مصر من خلال علاقاتها الاستراتيجية بالسعودية وروسيا السعى للتقريب، بينهما فيما يتعلق بمنهاج معالجة المعضلة السورية.. وحدة الدولة السورية وسلامة مؤسساتها الوطنية والقضاء على الإرهاب ليسا موضع خلاف، أما نظامها السياسى فيتم الاتفاق على الرجوع بشأنه للشعب فى تصويت حر تحت إشراف دولى وعربى كامل، وذلك عقب مرحلة انتقالية تكفل عدم استثمار الإرهاب للموقف.. روسيا بدورها يمكنها التقريب بين العرب وإيران، بحيث تكبح الأخيرة جماح رغبتها فى التمدد، استنادا لأقليات طائفية، مقابل تعاون اقتصادى يكفل الرخاء لشعوب ذاقت مرارة الحرمان على مدى سنوات المواجهة.. ويتوج ذلك بضمانات دولية للأمن الجماعى لمنطقة الخليج.

ليس هذا طرحاً مثالياً.. لكنه حل مفروض، إذا أردنا الكسب للجميع.. وتجنب البديل.. الأشد مرارة من كل ما ذقناه.. فإلى أين تقودنا الحكمة؟!

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية