x

طارق عباس حكيم الشعراء طارق عباس الجمعة 24-04-2015 21:11


من طين هذه الأرض نبت، وفى أحضانها نشأ وتربى، ومن أجلها أفنى عمره وأبدع شعره، وخاض معارك مشرفة جعلته أجمل أنشودة سيتغنى بها المصريون على مر الزمن، إنه الإنسان والشاعر أو الشاعر الإنسان عبدالرحمن الأبنودى، ذلك الرجل العروبى الهم، المصرى الدم، النقى الفطرة، المنكسر المنتصر، المنبسط المنحسر، السهل الواعر، الغائب الحاضر، الأشياء كلها بحلوها ومرها، ذلك الرجل الذى أحب الناس فأحبوه وتنفسهم وتنفسوه واستمد قوته منهم وتفاعل مع قضاياهم ومشكلاتهم وقضى حياته ينسج أجمل أشعاره فى حب مصر:

ويا مصر لو خيرونى ما أسكن إلاكي

ولجل تتبسمى ياما ببات باكى

تسقينى كاس المرار وبردو بهواكى

بلدى ما لى الا إنتى ولو ظلمتينى

مقبولة منك جراح قلبى ودموع عينى

الجرح يشفى إذا بإيدك لمستينى

كلك حلاوة وكلمة مصر أحلاكى

لكل ما سبق استحق الأبنودى أن يكون حكيم الشعراء، نعم حكيم الشعراء لأنه لم يكن مجرد كاتب وشاعر عارف بفنون النظم وجمالياته من «وزن وقافية وصورة ومحسن بديعى»، وإنما غواص فى بحر الأحاسيس والمشاعر، ومستخرج مما فى أعماقه من درر، موظفا فى ذلك كل ما لديه من إمكانيات عقلية ونفسية وفنية جعلته ملء الأسماع والأبصار، وضمن مصاف العمالقة، منها على سبيل المثال لا الحصر:

أولا، اكتشافه لموهبته مبكرا ووعيه بأهميتها وقيمتها، الأمر الذى دفعه لرعايتها وتنميتها وصقلها وإثرائها بما يضمن له استثمارها فى إثبات حضوره على الساحة الفنية.

ثانيا، عشقه لبيئته وتمسكه بملامحها وتوظيف لهجته الصعيدية فى تجسيد معانيه، ونقل خبراته وتجاربه إلى الوجهين القبلى والبحرى على السواء فى وحدة قلما تتكرر وربما تستحيل.

ثالثا، إصراره على أن تكون له حكومة فنية من المتميزين، يعرض عليهم أفكاره وأعماله ويتخذ منهم سفراء لنقلها إلى جمهور المستمعين والمشاهدين، لذلك كتب لنجوم الملحنين والمطربين أمثال: «محمد الموجى وبليغ حمدى وكمال الطويل وعمار الشريعى وعبدالحليم حافظ ونجاة وفايزة أحمد وصباح».

رابعا، سعة اطلاعه واتساقه بالمتغيرات وتفاعله معها، خاصة على المستوى السياسى، فإذا به يجسد انتصارات المصريين إبان حرب 1956 وانكسارات نكسة عام 1967 وعظمة جيش مصر بعد دحر العدو الإسرائيلى، وتحطيم أسطورة جيشه الذى لا يقهر فى أكتوبر 1973، وثورة المصريين على نظام مبارك فى 25 يناير 2011 ثم إسقاطهم نظام الإخوان بداية من 30 يونيو 2013.

خامسا، قدرته العبقرية على الحكى من خلال صوته الثائر المؤثر المعبر والموصل لما فى قلبه مباشرة إلى قلوب الناس، والغريب أنه كلما كنا نسمعه يؤدى قصيدة نزداد لسماعها شغفا وبها تعلقا.

سادسا، تواضعه الشديد وتباسطه الدائم مع الناس، ورغبته الدائمة فى أن يكون بينهم جسور من المودة غير قابلة للهدم أو الانهيار، ولا شك فى أن عدد من حضروا جنازته وتألموا لفراقه يشهد بأن رحيل الأبنودى يوم الثلاثاء الماضى بمثابة خسارة لآخر حائط صد من حوائط أساتذتنا من أبناء جيل الستينات، وهى خسارة كبيرة منيت بها مصر عموما والأوساط الثقافية والفنية خصوصا، رحم الله الأبنودى وأسكنه فسيح جناته.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية