x

سمير فريد موت شاعر والشعراء قليل سمير فريد الأربعاء 22-04-2015 21:09


كان الأبنودى فى غيبوبة الموت، وأصبح من المتوقع غيابه فى أى وقت، ولكن أحدا لم يتصور أن يموت يوم 21 إبريل، أمس الأول، فى نفس اليوم الذى مات فيه صلاح جاهين عام 1986، وكلاهما الجناحان اللذان حلقا بشعر العامية المصرية المعاصرة فى النصف الثانى من القرن العشرين، بعد الأستاذ المؤسس بيرم التونسى فى النصف الأول منه.

أتذكر دائما عند حدوث مثل هذه المصادفات المدهشة قول هاملت، فى مسرحية شكسبير، عندما سأله صديقه هوراشيو كيف يصدق وهو المثقف الواعى ظهور شبح والده، فقال له هناك أشياء كثيرة بين السماء والأرض أبعد من كل ما تتخيله فى أحلامك. هل افتقد جاهين الأبنودى فناداه، أم افتقده يحيا الطاهر عبد لله وأمل دنقل ونجيب سرور وكل المبدعين الأفذاذ الذين جاءوا إلى القاهرة من الصعيد الجوانى، وعلموا المصريين معنى مصر بالكشف عن جوانيته.

عرفت الأبنودى وسيد حجاب وزين العابدين فؤاد وأحمد فؤاد نجم وغيرهم من شعراء العامية العظام بحكم المجايلة، ولكننى اقتربت كثيرا من جاهين حتى وفاته، ومن الأبنودى حتى نصحه الأطباء بالحياة فى الإسماعيلية بحكم أعمالهما فى السينما.

وقد كانت لنا مناقشات طويلة عاصفة حول العربية والعامية منذ الستينيات جعلتنى أبدو كأننى ضد العامية فى الشعر، ولكنى كنت ومازلت ضد العامية فى النثر، وضد أن يكون شعر العامية على حساب شعر العربية أو بدلا منه، وضد اعتبار شعر العامية لكل الشعب وشعر العربية للصفوة. فكل الشعر لكل الشعب، والأهم أن يكون شعرا.

والشعر أعلى مراتب فنون الأدب أو فنون الكلمة، ويمتدح النثر بقولنا إنه أقرب إلى الشعر. والشاعر الحقيقى مثل العنقاء التى تظهر نادرا، أو مثل العملة الصعبة بلغة الاقتصاد. وقد كان الأبنودى شاعرا «حقيقيا»، وسوف يعيش شعره طويلا، فلم يكن كلاما منظوما، وإنما تعبيرا قويا ومتفردا عن الحياة والحب والموت، وعن العصر الذى عاشه وأحداثه الكبرى من معركة بناء السد العالى إلى الهزيمة والانتصار، ومن ثورة يوليو إلى ثورة يناير وثورة يونيو. ومثل جاهين اشتبك الأبنودى مع الواقع بدلاً من أن يبتعد عنه حالماً بالنقاء الفردى كما يختار البعض، ودفع الثمن الذى كان يعرفه ويرضاه. مات شاعر والشعراء قليل.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية