إصرار أرمنى على الاعتراف الدولى بما يرونه «جريمة إبادة جماعية» أدت لمقتل مليون ونصف المليون، بحسب الرواية الأرمنية، يقابله اعتراض تركى ينفى وجود «المذابح»، ويحذر من «تسييس القضية»، ويدعم النفى التركى قانون أصدرته «إسطنبول» 2005 يجرم الاعتراف «بما يسمى إبادة الأرمن».
ترجع الأحداث إلى زمن السلطان عبدالحميد الثانى، السلطان العثمانى، عقب اتفاقية روما التى نصت على التزام السلطنة العثمانية بإشراك الأقليات فى القرار السياسى، وعلى رأسهم الأرمن. ونظرًا لمطالبة قيادات شعبية أرمنية بتطبيق ذلك النص شهدت الفترة بين عامى 1894 و1896 مواجهات مسلحة بين جيش السلطنة والأرمن، خاصة مع خشية السلطنة أن يؤدى ما رأته « تمردًا أرمنيا» إلى انفصال تلك المنطقة المهمة من حدود السلطنة وانضمامها لروسيا بسبب « الولاء الدينى».
يقول مركز «المؤسسة القومية الأرمنية»، ومقره العاصمة الأمريكية واشنطن، إن السلطنة كانت تمر بفترة ضعف أمنى وسياسى وارتباكات اقتصادية، زادت من تخوفات السلطنة من مولد نزعات انفصالية عززها الشك نحو الأرمنيين كأقلية مسيحية تحيا على حدود السلطنة مع عدوها التقليدى «روسيا».
عرفت المرحلة الأولى من الأحداث باسم «المجازر الحميدية» كما يسميها الأرمن، ويقولون إن عدد القتلى وقتها وصل إلى 300 ألف أرمنى. لكن تركيا ترفض ما تراه مزاعم كاذبة، وتقول روايتها الرسمية المعلنة إن القتلى وقعوا بسبب مشاركتهم فى الحروب العثمانية بجانب الجيش التركى، شأنهم شأن باقى الجنود.
المرحلة الثانية كانت فى 1909 حين وقعت مواجهة بين الطرفين فى إقليم قيليقيا، وتحديداً فى «أطنا»، وراح ضحيتها 21 ألف أرمنى وجنسيات أخرى من الأشورين والسريان وبعض الأكراد.
وتمثل المرحلة الثالثة ما يطلق عليه الأرمن اسم «المذبحة الكبرى» فى زمن الحرب العالمية الأولى، وتحديداً فى 1915، وراح ضحيتها مليون ونصف المليون أرمنى.
اختلفت الروايات حول سبب نشوب الأحداث، فبينما يرى مؤرخون أن «الإبادة» كانت بسبب «التطهير العرقى الذى شنته الدولة العثمانية الموشكة على الاختفاء، ورغبتها فى السيطرة على غالبية دول أوروبا والتوسع فيها»، تتهم روايات أخرى الأرمن بمحاولة «الانقلاب على السلطة العثمانية»، بينما ترى آراء تركية أن ما حدث كان بمثابة «حرب أهلية» راح ضحيتها 300 ألف من الطرفين.
مصطفى كامل، الزعيم المصرى، يرى فى كتابه «المسألة الشرقية» الذى نشره 1909 وخصص فيه فصلاً للمسألة الأرمنية أن «اللوم على إنجلترا التى تريد هدم السلطنة العثمانية وتقسيم الدولة العلية ليسهل لها امتلاك مصر وبلاد العرب، وجعل خليفة الإسلام تحت حمايتها وآلة فى يدها».
تختلف التقديرات حول أرقام القتلى، كون أن من راحو ضحية الأحداث بعضهم قتل وآخرون توفوا بسبب الظروف غير الإنسانية لعملية التهجير القسرى والهروب. ويقول الأرمن إن عدد القتلى وصل إلى مليون ونصف المليون، منهم أشوريون وسريان وكلدان ويونانيون.
تنوعت البلاد التى هاجر إليها الأرمن، والتى يرمزون لها بعلامة «الزهرة البنفسجية» ذات الخمس ورقات، والتى ترمز إلى القارات الخمس التى هاجروا إليها، وهى أفريقيا وآسيا وأوروبا والأمريكتان، وكانت أبرز الدول هى مصر ولبنان والعراق وسوريا واليونان والولايات المتحدة وكندا وأستراليا.
رغم مرور 100 عام على الأحداث فإن 21 دولة ومنظمة فقط هى التى اعترفت بها ووصفتها بـ«المذبحة» وأبرزها إيطاليا واليونان وفرنسا وقبرص وكندا وبلجيكا والأرجنتين وأوروجواى وسلوفاكيا وسويسرا والسويد وروسيا ولبنان وشيلى وليتوانيا وفينزويلا وألمانيا وبولاندا وهولندا والفاتيكان، وقبل أيام أعترف الاتحاد الأوروبى بالأحداث وصنفها كـ«جريمة إبادة جماعية».
ردت إسطنبول على القرار الأوروبى بتصريح لرجب طيب أرودغان، الرئيس التركى، الذى قال إن «الذين اتخذوا هذا القرار، ليس هدفهم حماية حقوق الأرمن»، قائلاً: «يوجد فى بلادنا نحو 40 ألف مواطن تركى من أصل أرمنى، و40 ألف أرمنى هربوا من بلادهم، ولجأوا إلينا، واستوطنوا عندنا، ويحلون ضيوفًا علينا، هل اضطهدناهم يومًا ما؟ ألم تروا ذلك يا عديمى الضمائر؟ بأى وجه تطلقون مثل هذه التصريحات إذًا؟».